أجرت يومية النهار المغربية حوارا مع المهندس محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، نشرته في عدد فاتح رمضان 1426/5 أكتوبر ,2005 تمحور حول الوضع العام للحركة الإسلامية بالمغرب، وإصلاح الشأن الديني في المغرب، وأسئلة أخرى تجدونها في الحوار التالي: بداية ما هو التقييم الأولي الذي يمكن أن تقدمه بخصوص الوضع العام الذي تمر منه الحركة الإسلامية بالمغرب؟ بداية أشكر جريدة النهار المغربية، وأهنئ قراءها بمناسبة شهر رمضان المبارك، وأسأل الله تعالى أن يكون هذا الشهر، شهر البركة والغفران والعتق من النار لننال مرضاة الله عز وجل. دعني أقول إن الوضع العام للحركة الإسلامية بالمغرب مرتبط بالوضع العام للصحوة الإسلامية، وللتدين عموما في بلدنا. وأقدِّر أن هذا الأمر في توسع وتزايد استجابة للتدين العام الذي تعرفه الصحوة الدينية في العالم، ونتيجة للمجهودات التي يبذلها كل الفاعلين في الحقل الديني من علماء ودعاة ومفكرين، والحركة الإسلامية هي أحد المساهمين في هذا المجال. بالمقابل لا يمكن أن نُنكِر التحديات التي تعترض طريق هذا المسار العام، من مثل حملة تشويه الإسلام والعمل الإسلامي ومحاولة الربط القسري بين الإسلام والإرهاب. ومن التحديات التي تعترض الحركة الإسلامية كذلك، عولمة الفساد والإفساد وتشييء الإنسان وتحطيم القيم. وهذه كلها تجليات لمشروع الهيمنة الذي تتعرض له الدول الإسلامية، ويستهدف فيها كل اتجاهات الممانعة والصمود، وتنظيمات الحركة الإسلامية من بينها. تعرضت مجمل الحركات الإسلامية بالمغرب وحركتكم على وجه الخصوص لموجة من الانتقادات بعد أحداث 61 ماي الإرهابية، كيف تعافيتم من هذه الانتقادات؟ لا أظن أن الأمر كان يستدعي رداًّ لو كانت مجرد انتقادات، لأن الإنسان الذي يعمل في الساحة لابد أن يتعرض لانتقادات. لكن، ما حدث بعد 16 ماي كان هجمة استهدفت الحركة الإسلامية والعلماء، وكل الفاعلين في الحقل الديني، إلى درجة أن بعضهم استهدف المرجعية الإسلامية للدولة المغربية. لقد كانت حملة استئصالية شرسة مارست إرهابا إعلاميا على كل الفاعلين. وأصبحنا نتابع حملات ضد خطيب الجمعة الذي يتكلم عن بعض المنكرات في الصيف أو في الشواطئ. وأُريدَ لمُستنكري ارتكاب المحرمات مثل شرب الخمر، والشذوذ الجنسي أن يكفوا عن القيام بواجبهم، وإلا فسيفُ المسؤولية المعنوية ل 16 ماي سيسلط على رقبتهم. أما كيف تفادينا هذه الحملة، فكان ذلك أولا، بالثبات على منهجنا المعروف بالوسطية والاعتدال والشفافية والوضوح، وبالثبات على مبادئنا، والقيام بواجبنا، إيمانا منا أن عمل حركتنا من خلال هذا المنهج منذ ثلاثة عقود قد مكَّن للفكر الوسطي أن يكون مساهما في استقرار البلد وفي تأطير الشباب الملتزم ليكون صالحا لدينه ومُصلِحا لبلده وأمته، ومن ثَمَّ وجب الاستمرار في القيام بهذا الواجب بعد 16 ماي ليكون ما حدث استثناء ونشازا فقط. ثانيا، بالتوضيح، لأننا اكتشفنا نقصا في سياستنا التواصلية تجاه الفاعلين الآخرين، فانتبهنا إلى أن هناك حملة تشويه موجهة للفنانين ولرجال الأعمال مثلا ضد الحركة الإسلامية ومن ثمَّ قمنا بمبادرات تجاه الفاعلين الآخرين للتوضيح والتعارف معهم. والوسيلة الثالثة هي الرد على الادِّعاءات المغرضة بما يستحقه من تدافع سلمي للتعبير عن مواقفنا ورفضنا لسياسة تكميم الأفواه. يعاب على حركة التوحيد والإصلاح انغماسها الكلي فيما هو سياسي على حساب المجال الدعوي، إلى أي حد يصدق هذا الأمر؟ فعلا إلى أي حد يصدق هذا الأمر؟ فليس هناك انغماس كلي، وإلا لكان الاندماج الكلي للحركة وهيآتها وأعضائها في العمل الحزبي، وهذا غير حاصل، بل إن العدد الأكبر من أعضاء الحركة لا يشتغلون في العمل السياسي، ولم ينخرطوا فيه. صحيح أنه في بداية التعاون مع حزب الدكتور الخطيب انخرطت الحركة في إعادة بناء الحزب بشكل قوي، الأمر الذي ترك انطباعا عاما بأن هناك تماهيا بين الحركة والحزب، ولكن، مع مرور الأيام بدأ الاتجاه يسير نحو التمايز في المؤسستين في الخطاب وفي مجالات العمل، وعلى عكس الانغماس السياسي كما جاء في السؤال فهناك غياب تام للقضايا الحزبية في جدول أعمال هيئات الحركة سواء المركزية منها أو الجهوية أو المحلية. فحركة التوحيد والإصلاح حركة دعوية تربوية بالأساس، وجمعية غير حكومية تشتغل بالمجال الدعوي الديني، أما الحزب فمثله مثل باقي الأحزاب يشتغل في المجال السياسي ويهتم بالشأن العام. ألا يمكن الحديث عن إمكانية إصلاح الخطاب الديني في ظل الحملات، التي يتعرض لها الإسلام بعد هجمات 11 شتنبر؟ وهل تعاني المكونات الإسلامية بالمغرب من أزمة خطاب؟ بالتأكيد، في ظل الحملات المتنوعة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون، يحتاج الفاعلون في الحقل الديني ومفكرو الصحوة الإسلامية إلى مجهود مضاعف للرد على الشبهات والمبادرة إلى تجديد الخطاب الديني، والمسلمون في حاجة إلى عملية متكررة لتجديد فهم دينهم، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، لأنه من عادة الناس أنهم بتعاقب الأزمان يدخلون في دينهم تأويلات وتحريفات وبدعا وإضافات، وتذهب فئات منهم إلى التفريط والتحلل والانسلاخ من الدين أو من بعض أحكامه ومبادئه، بينما تذهب فئات أخرى إلى الغلو والتشدد والمبالغة.فلا بد من عملية تجديد، أي عملية صيانة وعملية تحيين وملاءمة لفهم الدين أولا وتنزيله على واقع لا يتوقف عن التغيّر والتطور ثانيا. لكن، تجديد الخطاب لا يعني إقرار الناس على تفريطهم في ما فرض الله عليهم ولا على انتهاكهم لما حرَّم الله عليهم. كما أن الترخيص في كل شيء والتساهل في كل شيء ليس هو ما جاءت به الشريعة السمحة، حتى أصبح وصف السمحة والتسامح، يعني عند البعض الانسلاخ من الدين، أو إلغاء بعض أحكامه. وعلى سبيل المثال، فحذف حصص من مادة التربية الإسلامية ليس تسامحا ولا تجديدا للخطاب الديني، بل هو إضعاف لأحد مرتكزات الشخصية المغربية المعتدلة المعتزة بدينها ووطنها وهو نموذج من نماذج الامتثال لإملاءات ما بعد 11 شتنبر. ما هو موقفكم من مسألة إصلاح الشأن الديني بالمغرب؟ موقفنا إيجابي من إصلاح الشأن الديني، ونعتبر إصلاح الشأن الديني عملا ينبني على إفساح المجال للعلماء وعدم تكميم أفواههم، والتكوين العلمي للأئمة والخطباء، فضلا عن تلبية الحاجات الدينية للمواطنين، وإشباعها وتلبيتها، وضمان الأمن الروحي المتمثل في التمكين لقيم وأخلاق الأمانة والتعبئة والترقي السلوكي. تعمد العدل والإحسان في هذه الآونة على الترويج للأحلام والرؤى، التي تنذر بحدوث أمر مهم سنة 2006 ، إلى أي حد تعتبر مثل هذه الخطابات لصالح الحركات الإسلامية وهل تشاطرونهم الرأي؟ بطبيعة الحال لا أشاطرهم هذا الرأي بالاعتماد على الترويج للأحلام والرؤى للتنبؤ بأمر مهم يحدث سنة 2006, وأعتبر أن الشكل الذي يُتداول به هذا الموضوع، سواء في موقع العدل والإحسان أو تصريحات بعض أعضائه، وبالشكل الذي تابعته الصحافة الوطنية، في غير صالح الحركة الإسلامية بالمغرب، لأن الطريقة التي يصف بها الإعلام هذا الموضوع، لا تترك إلا انطباعا غالبا عند المتتبعين وهو غياب المعالجة الواقعية والعقلانية المأمور بها شرعا في تشخيص الواقع وتحديد الخيارات الممكنة لصيغ العمل فيه انطلاقا من رصد علمي للفرص لاستثمارها وللتحديات من أجل تجاوزها. أُثير أخيرا نقاش حول إمكانية إجراء حوار مع شيوخ السلفية الجهادية المعتقلين على ذمة أحداث 16 ماي، في نظركم إلى أي حد تعتبر هذه الحوارات مجدية في القضاء على جذور التطرف؟ وكيف السبيل للحد من ظاهرة الغلو في الدين؟ هذه الحوارات بالتأكيد هي مدخل من مداخل التقليص من فكر الغلوّ والتشدد، بل على العكس من ذلك، وفي بعض الدول، فإن التضييق والاعتقال وعدم إفساح المجال للحوار كلها عوامل ساهمت في تنامي فكر الغلو والتشدّد. أمَّا السبيل للحد من ظاهرة الغلو في الدين، فيتم عبر الحد من مظاهر الغلو والتشدد في محاربة الدين، والحد من ظاهرة الغلو والتشدد في الفساد والإفساد، مع فسح المجال للعلماء لتبصير الناس بأمور دينهم وتوجيههم لما ينفعهم في دينهم ودنياهم. عرفت حركتكم في السنين الأخيرة انسحابات من قبل قياديين مؤسسين ألا طالعتمونا على التفاصيل؟ من تقصد؟ أقصد بعض الطلبة في مدينة أكادير؟ أولا طلبة أكادير، لم يكونوا قياديين ولا مؤسسين لحركة التوحيد والإصلاح، وكانوا في بداية انتمائهم للحركة. أما بخصوص القياديين المؤسسين، فالمتابعون لعمل الحركة يرون أن بعضهم لم يعد حاضرا في الهيئات المسؤولة لتنظيم الحركة، لكنهم انتقلوا لتحمل المسؤولية في مؤسسات أخرى. وتقديرنا أن دور الحركة هو تأهيل وتخريج أطر وكفاءات وقيادات للعمل الإسلامي سواء في تنظيم الحركة، أو في مؤسسات موازية، أو في المجتمع بشكل عام. فضلا عن ذلك، فإن حركتنا تتسع للآراء المخالفة داخل التنظيم وخارجه، ويستحيل أن نحجِّر على الآراء مهما كانت، وقوتنا تكمن في جمعنا لهذا الاختلاف في الأفكار، وليس التوجهات. أين وصل مشروع الوحدة مع مكونات الحركة الإسلامية بالمغرب ككل؟ في الحقيقة لا يوجد مشروع مدقق للوحدة مع مكونات الحركة الإسلامية بالمغرب ككل، لأنني أعتبر أنه من غير الممكن في الوقت الراهن تجميع كل الفاعلين وكل تنظيمات الحركة الإسلامية في هيئة واحدة، ووحدة اندماجية، نظرا لتباعد الاجتهادات واختلاف الأولويات من تنظيم لآخر، غير أنه من المطلوب تفادي الصراع والمضي في اتجاه التنسيق في المتفق عليه، والحوار الصريح والجرّيء في المختلف فيه كخطوة أولى لتفهم مواقف الآخر. ارتبط تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب بالصراع مع المكونات اليسارية في نظركم لماذا هذا العداء المتبادل رغم أن الجميع يناضل من أجل العدالة الاجتماعية؟ في اعتقادي أن هذا الأمر يرجع لفكر الإقصاء وعدم قبول الآخر، ولكن مع تعرض الأمة العربية والإسلامية لمشاريع الهيمنة الأمريكية، بدأنا نسمع عن مؤتمرات وحوارات بين كل الفصائل الوطنية والقومية والإسلامية، وانتقل هذا الحوار إلى تنسيق في الدفاع عن قضايا الأمة المشتركة مثل احتلال العراق وفلسطين، ومن شأن ذلك أن يقلص من الصراعات السابقة، ويفتح الباب للتقريب بين وجهات النظر المختلفة في عدد من القضايا الوطنية.