على عكس المؤشرات الوطنية التي لا تعطي صورة حقيقية لنسبة الفقر في أرجاء المغرب العميق، كشفت خريطة الفقر الجهوي المحلي أرقاما عنه أكبر وأقرب إلى ما يوجد في الواقع. وهي الخريطة التي عرضت وقدمت وثائق عنها بندوة نظمت أمس (الإثنين) بالمركز المتعدد الوسائط بالرباط، من لدن المندوبية السامية للتخطيط وبتعاون مع البنك الدولي. الخريطة المذكورة عمل تقني بيداغوجي تطلب سنة كاملة واستند على معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 1994 وعلى معطيات البحث الوطني حول مستوى معيشة السكان لسنة 1998 و1999 وهو ما يجعل هذه النتائج المتوصل إليها تعبر عن حجم الفقر في جهات المغرب وجماعاته القروية والحضرية في أواسط العقد المنصرم، حسب ما صرح به أحد التقنيين بالمندوبية لالتجديد، مضيفا أنه عمل متخصصين وتقنيين ينتهي دورهم عند هذا الحد، ويفترض، يضيف، أن يبدأ دور السلطات الحكومية والجماعات المحلية المسؤولة على تدبير الشأن المحلي بالاعتماد على هذه المعطيات لتوجيه وترشيد برامجهم وخططهم الإنمائية واستهداف المناطق الأكثر فقرا وعوزا، حيث تصل مستويات الفقر نسبا كبيرة تقارب نصف الساكنة المحلية، إذ أن ربع جهات في المغرب تتجاوز نسبة الفقر فيها 20 %، وهو ما يجعل السؤال الإشكال قائما حول مدى الأخذ بعين الاعتبار للمعطيات المتوصل إليها في وضع الميزانيات والبرامج التنموية، إن على المستوى الوطني أو على المستوى الجهوي والمحلي. وفي الكتاب المتضمن للمعطيات التفصيلية لخريطة الفقر، تمت الإشارة إلى أنه لا يكفي لردم الهوة وتقليص الفوارق الاجتماعية والفوارق بين الجهات لمعرفة رقمية بظاهرة الفقر، بل يتطلب الأمر معرفة دقيقة بعمقها وقساوتها والعوامل المنتجة لها، على مستوى الوحدات الترابية الأكثر صغرا، وفق ما جاء في التقديم. وللقيام بهذه المهمة، ينبغي التوفر على قاعدة معطيات محينة بشكل دوري على مستويات الفقر المحلية، وقد تحدث أحد المختصين، وهو ممثل عن البنك العالمي بيتر لانجو، في عرض له خلال الندوة، عن الإشكالية التي يطرحها وضع خريطة الفقر، وارتباط ذلك بتعدد المناهج المتبعة في ذلك، بين اعتماد على البحوث المتخصصة واعتماد على الإحصائيات العامة. وقد خلص المتحدث إلى أن المزاوجة بين الأمرين (أي المعطيات المحصل عليها من الإحصاء العام والبحوث الإحصائية) هي الاختيار الأنسب والأكثر ملاءمة لتحليل ظاهرة الفقر، وهو ما تبنته المندوبية السامية لوضع ما يصطلح عليه خريطة الفقر، وتعتزم تحيينها على ضوء نتائج الإحصاء العام للسنة الجارية المزمع إجراؤه في شتنبر المقبل، وعلى معطيات البحث الوطني حول الاستهلاك ونفقات الأسرة ل2000 ,2001 التي كشف عنها في الأسابيع الماضية. وتناولت أشغال الندوة، التي ترأسها المندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي علمي ورئيس قسم المغرب العربي للبنك الدولي تيودور ألرز، أسس مقاربة خريطة الفقر وتطبيق مقاربة الفقر بالمغرب ومساهمة خريطة الفقر في تحديد جيوب الفقر على الصعيد المحلي. محمد بنكاسم