في نيويورك وأمام مجلس العلاقات الخارجية تحدث وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حول حاضر العراق ومستقبله، فيما كان محور الحديث هو خدمة الولاياتالمتحدة للاستراتيجية الإيرانية القائمة على السيطرة على جارها الأكثر أهمية، وعدوها الألد طوال عقدين من الزمان. من الواضح أن قرار السعوديين بالصراخ احتجاجاً على ما يجري لم يأت من فراغ، فهو من حيث التوقيت يأتي بعد تسليم مسودة الدستور العراقي للأمم المتحدة؛ تلك المسودة التي تحمل في طياتها بذور التفتيت؛ ليس للكيان العراقي وحده، وإنما أيضاً للمنطقة برمتها، كما يتزامن مع ملامح ضعف للإدارة الأمريكية، أكان بسبب كاترينا، ومن بعده ريتا، أم بسبب تصاعد الاحتجاجات على المعركة العراقية على نحو ينذر بتكرار النموذج الفيتنامي. قد نضيف هنا تطورات المشهد السوري وما يمكن أن تحمله من مخاطر استهداف لدمشق قد يوفر للحكومة الطائفية في العراق فرصاً أفضل للنجاح بعد فرض المزيد من الحصار على المقاومة؛ تحديداً تلك القادمة من الخارج، والتي لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إنها أكثر تأثيراً على تلك الحكومة من سواها من المجموعات التي تركز على القوات الأمريكية. والحال أن الصرخة السعودية لا تعبر عن هواجس خاصة بالمملكة وحدها، بقدر ما تعبر عن هواجس دول الخليج مجتمعة، لاسيما البحرين والكويت، إذ أن غالبية شيعية تتوفر في الأولى، فيما تتوفر في الثانية أقلية تعتقد أنها مهمشة على نحو مقصود. وحين تصعد المجموعات الشيعية الخليجية من مطالبها تبعاً لتطورات المشهد العراقي، ويصل الأمر حد مطالبة بعض شيعة السعودية بحكم ذاتي في الإحساء، فإن على السعوديين والخليجيين أن يضعوا أيديهم على قلوبهم ويدقوا أجراس الخطر. ولكن هل يمكن القول بالفعل إن إيران تفضل تفتيت العراق على بقائه موحداً؟ من الصعب الإجابة بنعم، بل إن المنطق يقول إن الإجابة الطبيعية هي لا، ذلك أن تفتيتاً للعراق لن يترك إيران سالمة غانمة وهي التي تستبطن فيروسات تفتيت فاعلة، أكان من عرب الأهواز الذي تزود مناطقهم إيران بمعظم إنتاجها من النفط والغاز فيما هم يعيشون تهميشاً أكثر بكثير من ذلك الذي عاشه شيعة الجنوب العراقي أيام صدام حسين، ولا تسأل بعد ذلك عن الأكراد، ومن ثم السنّة في الشمال، وهم جميعاً لهم مظالمهم القابلة للانفجار في حال توفر الغطاء الخارجي، فيما لا يبدو من المنطق القول إن من سيؤيدون تفتيت العراق والسعودية وسوريا سيكونون حريصين على بقاء إيران (النووية) موحدة. ما نريد قوله هو أن برنامج الحكيم قد لا يتوافق بالضرورة مع البرنامج الإيراني وإن وصل الانسجام في كثير من القضايا حداً معقولاً، وللعلم فالوجود الإيراني في جنوب العراق يتجاوز المجلس الأعلى وحزب الدعوة ليدخل في تفاصيل المنظومة السياسية والأمنية والدينية في تلك المناطق، وقد رأينا كيف وصلت الرسالة الإيرانية إلى لندن بافتعال قصة الجنديين البريطانيين فتراجعت هذه الأخيرة عن مسعى إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، وهو ذاته السبب الذي يكبل يد واشنطن في سياق مطاردتها للقدرات النووية الإيرانية. ولكن هل تجهل واشنطن حقيقة أن إيران هي السيد الأهم في الساحة العراقية؟ كلا بالطبع، ولكنها تتخبط في ورطتها بين مطرقة المقاومة وسندان القوى المقربة من إيران، فيما تدرك أن التداخل الجغرافي والمذهبي ما زال يمنح طهران فرص إحداث اختراقات تتجاوز حتى القوى السياسية العراقية المعروفة بالتحالف معها. من هنا يبدو من العبث أن يعتمد السعوديون وجيرانهم على واشنطن، بل عليهم أن يقلعوا شوكهم بأيديهم، وفي حين ندرك أن هناك ما يفعلونه على أرض الواقع، ولو من تحت الطاولة، فإن من الضروري أن يتصاعد هذا الفعل بدعم العرب السنّة ومقاومتهم على نحو أكثر قوة وفاعلية، وذلك لأنه المسار الوحيد الناجع، لاسيما وأن الفشل الأمريكي لا يقل أهمية وضرورة عن فشل الحكومة الطائفية العراقية. هل تذكرون مقولة "إعادة تشكيل المنطقة" كشعار معروف للحرب على العراق؟