تتعرض المملكة العربية السعودية والمنطقة كلها لمخطط خبيث يستهدف وجودها… مخطط تقوده الدولة الإيرانية الفارسية بدعم أمريكي غير مباشر واستحسان صهيوني، ولسنا في حاجة لشرح أو تبيان ذلك، فواقع الحال في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغيرها أبقي من المقال. أمام تلك المخاطر الكبري، يحتم المنطق أن يسعى الجميع لتجميع الصف السني في العالم كله، شعوبا وقوى وتجمعات وجمعيات وجماعات، درءا لتلك الغارة التي تدور رحاها في سوريا والعراق (..). أمام تلك المخاطر، تسعى المملكة السعودية لتوحيد دول المكون السني، بمن فيها القوى والشخصيات والعلماء ذوي الثقل في العالم الإسلامي. وأفهم من استقبال خادم الحرمين الشريفين للعلامة الشيخ يوسف القرضاوي، أنه جاء في هذا الإطار. لكن المفاجأة المستغربة والمستنكرة في نفس الوقت؛ أن تتعرض تلك الزيارة لهجمة عاتية قادها رسميون في بعض الدول، رغم أن الحقيقة الواضحة لكل ذي عينين أن الشيخ القرضاوي، متعه الله بالصحة والعافية، قضي عمره – ولا زال – في خدمة الإسلام والدفاع عن قضايا المسلمين. كما أن مساعي خادم الحرمين تصب في هذا الاتجاه. ومن هنا فإن زيارة الشيخ القرضاوي للمملكة جاءت في صالح المكون السني في مواجهة المخطط الإيراني الرامي لاستمرار تفتيت المعسكر السني حتى يسهل ابتلاعه قطعة قطعة. وقد تزامن الهجوم غيو المبرر على العلامة القرضاوي مع هجوم عشوائي خشن من فضيلة الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية سابقا، على جماعة الإخوان المسلمين، واصفا الجماعة بالفئة الباغية، ومتهما إياها بالوقوف وراء تفجيرات الحرم النبوي الأخيرة، قائلا عن الذين ارتكبوا تفجيرات الحرم النبوي الشريف في مداخلة مع قناة العربية يوم الخامس من تموز/ يوليو الجاري: "ليسوا من المسلمين، والإسلام منهم براء… شرذمة إجرامية خبيثة، تحركها أيد خفية لتنفيذ أجندتها الفاسدة… مجرمون بغاة يريدون هدم الدولة، تخرجوا من حزب الإخوان المسلمين الذي جر على الأمة الإسلامية، بل وعلى العالم أجمع الويلات والخراب والتدمير".. ثم يوجه نصيحة للشيعة للوقوف صفا واحدا مع السنةً ضد هذه الفئة الباغية، قائلا: "هؤلاء هم أفراخ الإخوان المسلمين ويؤيدهم الصفويون… إيران وراء كل المصائب ومعهم جماعة الإخوان.. هؤلاء الذين زينوا للناس الثورات والتخريب العربي وهم يغذون هذه الفتنة… ويجب أن نقف موقفا صارما من الذين وردوا لنا الكتب المشبوهة مثل "في ظلال القرآن" هؤلاء يجب أن يحاكموا…."! يحار المرء وهو يستمع لتلك الافتراءات الطائشة التي لا تقوم على دليل واحد، ويتساءل المرء: هل تلك الحمم الغاضبة التي انطلقت من الشيخ عبد اللطيف تسهم في تجميع الصف السني أم تفرقه؟… وهل تصب في التخديم على مساعي خادم الحرمين الشريفين لترتيب البيت السني وتجميع العالم الاسلامي حول راية واحدة وعلي قلب رجل واحد لمواجهة المشروع الإيراني الاستعماري؟ وفي هذا الصدد نتوقف أمام النقاط التالية: 1- لم نسمع من خادم الحرمين منذ تولي الحكم ولا من الأجهزة الرسمية أي كلام سلبي أو مواقف سلبية حيال جماعة الإخوان المسلمين… بل إن كل الجهوده مركزة في التوحيد والتوافق حول الهدف الواحد، لكن تلك التصريحات العشوائية من شيخ كان يتبوأ موقعا رسميا في المملكة، تعرقل تلك الجهود، ومن فإن الأفضل لتجلية المواقف صدور بيان رسمي من أي مستوي مسؤول يحدد موقف المملكة من تلك التصريحات. 2-إن الشيخ عبد اللطيف كما يبدو من موقعه السابق (رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) هو رجل علم وفقه، والمفترض أنه يعلم خطورة الكلمة، ويعلم أن إطلاق الاتهامات بلا دليل منهي عنه، بل وحذّر الشرع منه، (قال معاذ: أوَمؤاخذون بما نقول يارسول، فرد عليه صلي الله عليه وسلم: ثكلتك أمك.. وهل يكب الناس في النار علي مناخيرهم إلا حصائد ألسنتهم؟) من حديث مطول لرسول الله صلي الله عليه وسلم عن خطورة الكلمة. قال تعالي: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (قّ:18). وقد ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم". ولست في حاجة هنا إلى مزيد من الآيات والأحاديث والأحكام الفقهية عن خطورة إلقاء التهم الجزافية عى خلق الله، فالشيخ عبد اللطيف بها أعلم، لكني أتساءل: على أي أدلة استند في اتهاماته؟! إن البيانات الرسمية الصادرة عن الأجهزة الرسمية السعودية – أمنية وسياسية وسيادية – لم تشر للإخوان بأي إشارة اتهام، فمن أين استقى اتهاماته، وعلى أي أدلة استند؟! 3- إن هذه الاتهامات الجزافية ألقيت عبر قناة فضائية وشاهدها ملايين الناس، وفي حوار مع مذيعة شيعية تمكنت من جرجرته إلى المربع الذي تريد، وهو صرف الأنظار عن المتهم والعدو الرئيسي، ومحاولة تلبيس التهمة للإخوان. 4- إن جماعة الإخوان المسلمين، كما قال عضو مجلس الشوري السعودي السابق الدكتور أحمد التويجري في تصريحات لبرنامج "لقاء الجمعة "على قناة روتانا خليجية يوم 12 شباط/ فبراير 2015م، تلعيقا علي تصنيف الجماعة حينها إرهابية قال: "القول بأن بأن جماعة الإخوان جماعة إرهابية كلام لا يقبله عقل، فهي جماعة ينضوي تحتها أمم… وزارة الداخلية لم تقل هذا الكلام، وهذا تفسير أعداء الدين للبيان، وينبغي النظر إلى السياق الذي صدر فيه …". يومها لم ينف أي مسؤول ما ذهب إليه الدكتور التويجري، ولو كان في كلامه أي غضاضة لتم الرد عليه. أقول: إن هذه الافتراءات الظالمة لأكبر جماعة إسلامية سنية في العالم، تنتشر في أكثر من سبعين دولة، ومشهود لها عبر تاريخها الطويل بأنها ميزان الوسطية والاعتدال، كما يشهد لها تاريخها بالوطنية والحفاظ على الأوطان واحترام قوانينها، هذه الافتراءات جاءت لتشغل المملكة العربية السعودية عن عدوها الرئيسي، وتحدث ارتباكا ولغطا في الطرف السني وتعرضه لفتنة تمكن منه عدوه، وقد قدم فضيلة الشيخ عبد اللطيف قنبلة من قنابل الفتنة على طبق من ذهب. وبالنسبة للإخوان الذين كانوا أول من أدان المساس بالحرم النبوي الشريف وبأمن المملكة، فإن مثل تلك الاتهامات التي تكال لهم جزافا وافتراء تكررت عبر تاريخها، فما غيروا ولا بدلوا من مواقفهم المعتدلة التي تعد ثابتا راسخا من ثوابتهم. 5- الذي يبدو أن هناك فريقا من أصحاب المشاريع الخاصة، يقفون بالمرصاد لإفساد أي جهود لتوحيد الطرف السني، وذلك لن يَصْب إلا في خندق أعداء الأمة، واعتقد أن الجميع يدرك ذلك ويعيه جيدا، ولذا فإن مآله الفشل. 6- إن الذين يسعون لإحداث الفتن داخل المجتمعات أو بين الدول والجماعات الوطنية أو داخل أي جمع من الناس مصيرهم الفشل والخسران.