عزا مناهضو الشذوذ الجنسي في أمريكا الدمار الذي سببه إعصار كاترينا لمدينة نيوأورليانز الأمريكية بأنه عقاب إلاهي. إذ قالوا إن الإعصار عندما جاء في الوقت الذي كان الشواذ والسحاقيات يتجمعون من جميع أنحاء البلاد للمشاركة في احتفال خاص بهم في أحد شوارع نيوأورليانز لا يعد مجرد صدفة، وإنما هو عقاب إلاهي، جاء ذلك فيما صرح به مايكل مادكافاج مدير ريببت أمريكا (لتندم أمريكا) وأضاف أنه بينما لا يشعر بأي سعادة في موت الأبرياء، فإنه يدعو أمة متمردة على الله أن تستعيد صوابها، مؤكدا أن الله يتحكم في المناخ وأن اليوم الذي غرق فيه شارع بوربون والحي الفرنسي بفعل الفيضانات هو نفس اليوم الذي كان سيحتفل فيه 125 ألف شاذ في الشوارع< ولذا فإنهم يعتبرونه عملا إلاهيا. بينما اعتبر صحافي مسيحي صهيوني يدعى ستان جودييف أن الله عاقب أمريكا بهذا الإعصار بسبب مساعدتها في إجلاء المستوطنين اليهود من غزة فأجبر الأمريكيين على الجلاء والطرد من منازلهم في نيوأورليانز وأن الأمريكيين على وشك أن يذوقوا طعم رفع الحماية الإلهية، وتنفيذ حكم الله في أمة هي أكثر الأمم مسؤولية من تعريض أرض وشعب إسرائيل للخطر. وسبق لأمريكيين أن صرحوا بأن هجمات 11 شتنبر في أمريكا عام 2001 هي انتقام إلاهي بسبب إباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي وانتشار الجماعات الليبرالية والظاهرة النسوانية: رغم أن الهجمات كانت عملية إرهابية من صنع البشر وليس ظاهرة طبيعية. والجدير بالذكر أن أعاصير مختلفة أسماؤها تضرب السواحل الجنوبية للولايات المتحدة باستمرار قادمة من المحيط الأطلسي، وكلها عاتية مدمرة، إلا أن إعصار كاترينا الأخير كان أكثرها عتوا وتدميرا. وتفسر ظاهرة هذه الأعاصير التي غالبا ما تكون في فصل الصيف، بأنه عندما تشتد الحرارة تتبخر كميات كبيرة من مياه المحيط إلى طبقات الجو العليا وتدفعها الرياح الحارة من وسط المحيط إلى شماله حيث تلتقي برياح باردة قادمة من القطب الشمالي فتنحرف بسرعة شديدة نحو الجنوب مرة أخرى وتلتقي برياح ساخنة قادمة من الشرق فتحول خط سيرها نحو الغرب وتضرب سواحل فلوريدا والولايات الأمريكية الجنوبية. وقد أوحى هذا التفسير لمخترع أمريكي قبل مائة عام فكرة مؤداها أنه إذا تم استقبال رياح ضعيفة دافئة أو ساخنة في أنبوب ضخم طويل يتم تبريده في ذات الوقت بمياه أقل حرارة، فإن الرياح المارة داخل الأنبوب ستزداد سرعتها نتيجة ذلك، ومع إقامة تربينات على الفوهة الأخرى للأنبوب تديرها هذه الرياح السريعة يمكن توليد الكهرباء منها. وأعلن قبل سنوات أن إسرائيل تفكر في استغلال هذا الاختراع ببناء أنبوب ضخم يستقبل الرياح الغربية في صحراء النقب، وتبريده بمياه مرفوعة بمضخات من البحرالأبيض للحصول على الكهرباء، وأن المشروع يتوقف تنفيذه على تدبير التمويل اللازم له. إن الكوارث الطبيعية لها تفسيران عند الدكتور طه عبد الرحمان، تفسير علمي أو ملكاني كما يسميه، وتفسير ديني أو ملكوتي كما يسميه أيضا. والاختلاف بين التفسيرين: الملكاني والملكوتي يدخل ضمن الحق في الاختلاف، ويتميز التفسير الملكوتي عن التفسير الملكاني، بأنه يدعو إلى التفكير وأخذ العظة والدرس، وبالتالي تصحيح المسارات الخاطئة في حالة وجودها، أي أنه تفسير إيجابي، أما التفسير الآخر فلا ينتج عنه أي رد فعل على مستوى العقل أو النفس، وإنما الاستسلام للكارثة، وهو بذلك تفسير سلبي أو راكد لا يغير من الأمر شيئا. المسألة إذن ليست في أي التفسيرين أصح، وإنما أي التفسيرين أكثر نفعا على مستوى النظر، وفي ذات الوقت، وإن كان تفسيرا قلبيا وليس عقليا، فإن العظة أو الدرس المستخلص منه يجب عرضها على العقل للنظر فيها وفق المعايير الملكوتية لتبيان ما هو صحيح منها مما هو غير صحيح. فالمسيحي الصهيوني الذي اعتبر أن الإعصار قد خرب أمريكا لمساندتها إخلاء المستعمرين الإسرائيليين لمستعمراتهم في قطاع غزة لو تم عرضه على العقل لرفضه العقل جملة وتفصيلا، ولكان ما يقبله العقل هو أنه إذا كان ذا صلة بإسرائيل لكان عقابا على مساندة إسرائيل ومخططاتها سواء في فلسطين أو العراق. كما أن التفسير المسيحي بأنه جاء عقابا على انتشار الإجهاض والشذوذ الجنسي، على العقل وفق المعايير الدينية يعد معقولا، وإذا تم استخلاص الدرس منه بتحريم الإجهاض والتصدي لظاهرة الشذوذ الجنسي كان ذلك أكثر نفعا للإنسانية عموما وللمجتمع الأمريكي خاصة. كما أنه إذا فسره المسلم على أنه انتقام إلهي على الجرائم الإسرائيلية في العراق أو الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني الغاصب، وتم عرض هذا التفسير الملكوتي على العقل وفق المعايير الدينية وقيم الحرية والعدالة فيها، فإنها تكون مقبولة عقليا أيضا. وإذا اختلف أصحاب التفسيرين: الملكاني والملكوتي، فإنه يجب النظر في اختلافهما على أنه ممارسة للحق في الاختلاف، هذا الحق الذي لا يمكن لأحد الطرفين أن يستأثر به دون الطرف الآخر. ومن وجهة النظرة الملكوتية، فإن الكارثة الطبيعية يمكن أن تصيب مجتمعا مؤمنا مثلما تصيب أيضا مجتمعا مشركا، بصرف النظر عن الدين السائد في هذا المقضاء والقدر، مثلما هو دافع أيضا لمزيد من الاستمساك بالشريعة فيما أمرت به من عدل وإحسان أو نهت عنه من فحش ومنكر وبغي وطغيان. لا ينطوي التفسير الملكوتي أو الإيماني على شماتة في ضحايا الكارثة أو تحجر القلب إزاء ما أصابهم، وإنما على العكس من ذلك رثاء لهم وتألم من أجلهم، بينما ينطوي التفسير المقابل على عدم المبالاة بما حدث لهم طالما أنه حدث طبيعي جتمع أو ذاك، لأنه تبعا لوجهة النظر تلك، فإن الكارثة هي امتحان إلهي قد يكون الغرض منه اختبار الإيمان أو الصبر على العادي لا يجب التوقف عنده أو تقليب النظر فيه.