نحزن أيما حزن على الضحايا من إخوتنا العراقيين الذين سقطوا في كارثة جسر الأئمة في بغداد، ليس لأسباب إنسانية فقط، وإنما أيضاً لأنهم مسلمون يصلون صلاتنا ويستقبلون قبلتنا ويأكلون ذبيحتنا كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يرويه الإمام مسلم. نحزن أيما حزن، وندعو الله أن يتغمدهم بواسع رحمته، فيما نحمد الله العلي القدير على أن ما جرى لم يكن بفعل فاعل، خلافاً لمن قتلوا من دون ذنب بيد قوات الأمن العراقية بعد أن اعتقلوا من مدينة الحرية، فيما وجدت جثثهم مقيدة الأيدي ومعصوبة الأعين بعد أيام قرب محافظة واسط. ربما قيل إن التدافع عن نجم عن شائعة وجود انتحاري بين الجموع، وهي قصة لا تبدو مقنعة، وإن صحت فإنها تثير الحزن لأن أجواءً مريضة قد وفرت الفرصة لأن يصدق الناس أن مسلماً يمكنه تفجير نفسه وسط أناس مسلمين وأبرياء غير محاربين حتى لو توفر احتمال أن يكون من بينهم من يتعاون مع المحتل بهذا القدر أو ذاك. والحال أن عمليات استهداف المدنيين من قبل بعض قوى المقاومة، بما في ذلك الشبان القادمين من خارج العراق قد خفت، بل ربما اختفت خلال المرحلة الأخيرة على رغم سهولتها من ناحية عملية، فالحرب كما يبدو أخذت تركز على القوات الأمريكية، إلى جانب قوات الأمن العراقية التي يجد استهدافها فضاء من القبول بسبب تقدمها لدبابات المحتلين، فضلاً عن ممارساتها بحق المناطق التي تؤوي المقاومة، كما هو الحال مع الجريمة التي أشرنا إليها آنفاً في مدينة الحرية. في بغداد على وجه التحديد يتعايش الشيعة والسنة على نحو أخوي؛ يتشاركون ويتزاوجون من دون أي إشكال يذكر، ومن سمعناهم يتحدثون عن المواكب التي تأتي إلى الكاظمية أكدوا حسن التعامل من قبل إخوانهم في الأعظمية، ما يعني أن هناك من يريد العمل بكل الوسائل على زرع الفتنة بين العراقيين وتعزيز مسار الحرب الأهلية. ربما أشار البعض هنا إلى الصواريخ التي وجهت إلى منطقة الكاظمية قبل كارثة الجسر بأكثر من ساعتين، والتي أدت إلى مقتل سبعة أشخاص وجرح ما يقرب من عشرين، وهي واقعة تثير الريبة، والسبب هو أن إطلاق الصواريخ لم يعد سهلاً في الآونة الأخيرة بسبب كثافة الانتشار الأمني الأمريكي والعراقي، ولو توفرت الصورايخ وفرصة الإطلاق الآمن لخصت بها المنطقة الخضراء دون سواها كما كان يحدث من قبل، الأمر الذي يشير إلى إمكانية أن يكون من أطلقها قد أراد زرع الفتنة بين العراقيين، لاسيما في مناطق بغداد التي توافق أهلها سنّة وشيعة على رفض مسودة الدستور، تحديداً بسبب موضوع الفيدرالية وما ينطوي عليه من هواجس التقسيم. قد يرى البعض ضرورة أن يشير المعنيون في سياق قراءة ما جرى إلى كثرة المناسبات الدينية عند إخواننا الشيعة من تلك التي تتضمن طقوس اللطم والبكاء والمسيرات الضخمة، وعلى رأسها مناسبات مولد وموت أو استشهاد الأئمة الاثني عشر، وهو رأي قد يملك بعض الوجاهة، لكن ما ينبغي التذكير به بالمقابل هو أن هذه الإقبال على هذه الطقوس وبهذه الكثافة ربما جاء بسبب عقود من الحرمان منها، أي أنها شكل من أشكال ردود الفعل الطبيعية، ويبقى أن على العلماء الكبار أن يكون لهم دورهم في ترشيد تلك الطقوس، كما حصل في لبنان على سبيل المثال، لاسيما وهي نتاج إرث سياسي تاريخي لا صلة له بجوهر الدين الذي اكتمل قبل أن ينتقل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. نعود إلى القول إننا ندعو الله أن لا نرى مسلماً في العراق يسقط بيد أخيه المسلم، بصرف النظر عن الخلافات الفقهية والاعتقادية، لكننا نأمل أيضاً أن تتعزز الجهود الرامية إلى مواجهة الاحتلال ومن رهنوا أنفسهم لخدمته، إلى جانب تكريس وحدة العراق وانتمائه إلى أمته العربية الإسلامية.