ليست هناك دولة في الأركان الأربعة للمعمور شبيهة بجارتنا الشرقية، تركت سفينة اقتصادها تغرق وأزماتها الاجتماعية والسياسية والإثنية تستفحل، ثم تفرغت لمضايقة المغرب، تصرف مليارات الدولارات، من جيوب الجزائريين، لتخريب استقرار وطننا وزعزعة أمننا وتشجيع الانفصال والتقسيم لأراضينا، ثم بعد ذلك تدعي دون خجل ولا وجل أنها محايدة. مناسبة هذا الكلام الذي فصّلت فيه في مقالات سابقة، هي الحملة الشرسة التي تقودها دبلوماسية جنرالات الجزائر هذه الأيام داخل أروقة الأممالمتحدة وعلى أكثر من صعيد. فقد فتحت جبهة جديدة هذا الشهر في اللجنة الأولى تنضاف إلى "بالماريس" اللجنة الرابعة التي تتطوع جارتنا "الشقيقة" كل سنة لتقديم مشروع قرار يخص الصحراء المغربية. يحدث هذا منذ ما يقرب من نصف قرن دون أن يكون في ذلك أدنى حرج للتعارض الصارخ مع الحياد المزعوم(!) كما يأتي هذا المقال على خلفية اختيار النظام الجزائري التحالف مع إيران ونظام بشار الأسد الموغلين في دماء الشعب السوري، لا لشيء إلا لمعاكسة المغرب بعد قمة الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليجفي شهر أبريل المنصرم. والتي أيدت بوضوح مغربية الصحراء، بل ذهب قادة الخليج ومنهم الشيخ محمد بن زايد إلى التصريح بأنهم سيقفون إلى جانب المملكة في حال نشوب حرب حول الصحراء. مباشرة بعد هذا الدعم الخليجي، بعث النظام الجزائري وزيره في الخارجية رمتان لعمامرة إلى طهران، ووزيره الثاني في الخارجية عبد القادر مساهل إلى بشار الأسد، كإعلان لتحالف قوى الشرّ ضد الأمن القومي العربي، وضد الشعب السوري الذي تجتاحه أمواج الميلشيات الشيعية المسلحة من لبنان إلى باكستان، مدعومة بجنرالات الجيش والحرس الثوري الإيراني. لقد اختار مرة أخرى النظام الجزائري حسابات جيوسياسية ضيقة على المصالح الاستراتيجية للأمة، ولنتذكر كيف ساند النظام الجزائريإيران الخميني في حرب الثماني سنوات ضد العراق في عهد صدام حسين. ولم تقتصر ردّة الفعل الجزائرية على ذلك، بل تعدّته إلى روسيا، حيث تَوجّه الوزير الأول عبد المالك سلال في نفس الشهر إلى موسكو بعد الزيارة الملكية الناجحة لهذا البلد والتي أسفرت عن عقد شراكات قوية في مجال البحث العلمي والصناعات الميكانيكية وبناء محطات الطاقة النظيفة، ومجال تسييل وتخزين الغاز الطبيعي. بالإضافة إلى تفاهمات تشمل الحقل الأمني والعسكري والديني. بينما كانت زيارة السيد سلال لبيع مصالح الجزائريين واقتصادهم مقابل إغواء روسيا بعدم دعم المغرب في مجلس الأمن! أليس هذا هو الإفلاس الاستراتيجي بعينه لنظام رأسه مشلولة ويقوده عسكريون، قيل عنهم: "إن الحرب شأن خطير بحيث لا يمكن تسليمها للعسكريين"، فكيف إذا سلّمت بلاد بكاملها ولمدة نصف قرن لجنرالات مكانهم الطبيعي داخل الثكنات وليس في تسيير الشأن السياسي؟ النتيجة واضحة، اقتصاد يعتمد بالمطلق على ريع النفط والغاز، إذ تُشكل عائدات المحروقات 97% من صادرات الجزائر، حسب الأرقام الصادرة عن البنك المركزي. إنه فشل ذريع لكلّ السياسات التي نهجها هذا النظام منذ "استقلاله"، فحتى تأميم المحروقات الذي يتغنى به النظام ارتباطاً بحكاية "النيف" والوطنية المزعومةتم التراجع عنه، وأصبحت الشركات مثل شيلالبريطانية وإكسونالأمريكية، تملك غالبية الأسهم في أكبر حقلين بحاسي بّا حمّو الذين يتمّ فيهما استكشاف الغاز الطبيعي. بالإضافة إلى الحضور الوازن لشركة بريتش بيتروليوم "بي پي" في حقلي عين صالح وعين أم الناس. وقد شهد العالم بأم عينه كيف مات أزيد من 40 خبيراً أجنبياً، ومنهم بريطانيونوأمريكيون في حادثة عين أم الناس سنة 2013، والتي نفذها تنظيم "الموقعون بالدم"، الذي يقوده الجزائري "مختار بلمختار" الملقب بالأعور. وبالمناسبة هذا التنظيم هو نفسهالذي أبرمت معه المخابرات العسكرية الجزائري اتفاقاً لتوجيه الضربات إلى مصالح المغرب، مقابل التغاضي عن أنشطته، وقد تم الكشف عن هذه الصفقة الإجرامية بفضل تسريبات "ويكيليكس" من السفارة الأمريكيةبالجزائر، وهو عمل يكشف الوجه الإرهابي والمافيوزي لهذا النظام. إن العداء ضد المغرب مُستحكِم وبشكل مرضي لدى النظام الجزائري، ولا يمكن أن يتغير هذا الواقع المرير ما دام النظام لم يتغير وما دام الشعب الجزائري محروم من تقرير مصيره! نعم لم يقرّر مصيره، فقد تم اختطاف "الاستقلال" من قبل الكولونيل هواري بومدين و"جماعة وجدة" التي ينتمي إليها وزير خارجيته آنذاك والرئيس الحالي السيد بوتفليقة، ثم تم اختطاف "الديمقراطية" بعد انقلاب الجنرالات على صناديق الاقتراع سنة 1992. ومسألة "الاختطاف" هذه، ليست من بناة أفكاري بل هي عنوان لكتاب ألفه أحد قادة الثورة الجزائرية وهو السيد فرحات عباسرحمه الله. وهل يمكن أن ننتظر خيراً من نظام قتل قيادات التحرير من أمثال المثقف عبّان رمضان الوجه البارز في مؤتمر "الصّومام" الشهير الذي أطلق شرارة الثورة ضد الاستعمار؟ أم يُمكن الوثوق بنظام اغتال محمد خيضر، أحد الزعماء الخمسة للثورة الجزائرية، برصاصات الغدر في إسبانيا حيث كان منفياً؟ أم نأمن الجنرالات الذين قتلوا الرئيس محمد بوضياف، برصاصات نقيب في القوات الخاصة للجيش الجزائري،لا لشيء إلاً لأنه رفض الاعتراف بانفصاليي "البولساريو" وصرح أنه مع مغربية الصحراء؟ وهل يمكننا أن نأمن نظاماً قتل من شعبه ربع مليون إنسان فيما يعرف بالعشرية السوداء التي تلت الانقلاب على الانتخابات التشريعية التي فازت فيها جبهة الإنقاذ بزعامة الشيخ عباسي مدني؟ أم نأمن نظاماً طرد قرابة نصف مليون مغربي لا ذنب لهم إلاّ أنهم مغاربة، وجردهم من ممتلكاتهم واستحوذ على أموالهم في مسيرة سماها بومدين بنفسه "المسيرة السوداء" رداً على المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني؟! لا يمكن الوثوق بنظام جعل العداء للمغرب عقيدته الثابتة. ولذلك علينا أن نأخذ مأخذ الجدّ توقعات مراكز الدراسات الأجنبية التي تتنبأ بنشوب حرب بين الجارتين، وعلى رأسها "مركز دراسات العالم الإسلامي وروسيا"، الذي يسيّره الأكاديمي الروسي إرنستسلطانوف، والذي ذهب إلى حدّ تحديد نهاية 2017 أو بداية 2018 لاندلاعها. التهديدات القادمة من الجارة الشرقية جدّية، وما السّباق نحو التسلح الذي فرضه جنرالات الجزائر على المغرب إلاّ واحداً من أخطر المؤشرات على صحة هذه التوقعات. إلى جانب ما تداولته الصحافة الجزائرية في الفترة الماضية من خبر إجراء قيادة أركان الجيش الجزائري محاكاةٍ لهجوم شامل على مراكز حيوية بطائرات ف16(!)، وهي إشارة واضحة لا تحتاج إلى فك الشيفرة.. ويعضد هذه القرائن ما كتبه وزير خارجية إسبانيا الأسبق خافيير سولانا في مقال نشره منذ حوالي شهرين بانفجار وشيك بهذا البلد الذي يراكم الاحتقان الاجتماعي، وانسداد الأفق السياسي والانهيار الاقتصادي. وقد يلجأ جنرالات "المرادية" إلى التنفيس عن الأزمة الداخلية بحرب مع المغرب، من خلال الدفع بدميتهم في تندوف إلى عمل مسلح سيكون المغرب مضطراً للردّ عليه بحزم، ومتابعة المعتدين إلى قواعد انطلاقهم في التراب الخاضع للإدارة الجزائرية في صحرائنا الشرقية، كما تَكْفُله القوانين الدولية.لذلك وجب وضع كل السناريوهات الممكنة والاستعداد لأسوئها، لأنّ الحكمة تقول "إذا كنت تريد السلام فعليك أن تستعد للحرب".