بات مشهد حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، ببزته العسكرية التي ترتديه، جزء لا يتجزأ من الحملة الاعلامية المكثفة لما يسمى بعملية تحرير الفلوجة. وهي المرة الأولى التي يظهر فيها العبادي بالزي الزيتوني الغامق كقائد عام للقوات المسلحة وان كان قد ظهر، في العام الماضي، في استديو قناة حزبه الفضائية المسماة « آفاق»، كبروفة، مرتديا زي المغاوير المرقط ومزينا حزامه بمسدس. يأتي ظهوره بالزي العسكري ليتماشى مع اعلانه الهجوم على مدينة الفلوجة المحاصرة، بذريعة تحريرها من قوات الدولة الاسلامية (داعش). سبق العبادي في ارتداء الزي العسكري، وقت الفشل السياسي، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وإن كان الأخير قد خلع الزي حينا بحجة التمثيل السياسي ثم عاد إلى ارتدائه حين بانت هزالة موقعه بدون الزي وشاراته. فالزي العسكري، بالنسبة إلى الحكام العرب، المتفوقين، بامتياز، في تحويل شعوبهم الى وقود حروب طاحنة، بالنيابة عن القوى العظمى ولحماية مصالحهم، له دلالات كبيرة، خاصة عندما يزينون صدورهم بالشارات والرموز الملونة الدالة على مشاركاتهم في حروب، الكل يعلم بعبثيتها وانتصاراتها الوهمية. عموما، يبدو الهدف من ارتداء الزي العسكري من قبل القيادة السياسية لأي بلد هو رفع معنويات الجنود ومنح القوات الطاقة للدفاع عن الوطن والولاء له وحثه على التضحية في ساحة المعركة. هل تنطبق الصورة على العبادي؟ من الواضح ان من أسدى له النصح، من مستشاريه، بارتداء الزي العسكري والهجوم على الفلوجة، قد توخى تحسين صورته التي باتت تثير غضب المواطنين ومحط اهانة، في ساحات الاعتصام والمظاهرات، باعتبارها رمزا للنظام الحالي وعمليته السياسية المحتضرة، لعدة اسباب ورث بعضها من أسلافه، سدنة معابد الاحتلال، وساهم هو بتكريس بعضها الآخر بنفسه . لننظر الى عشرة من الأسباب الداخلية المتطورة عضويا منذ الإحتلال والمتسارعة التطور تحت ولاية العبادي. أولا: عدم وجود دولة بالمعنى الحقيقي بمؤسسات وجيش وقوانين نافذة. ثانيا: الحكومة منخورة بالفساد، والطائفية، وصراعات الوزراء (واقاربهم) وقيادات الاحزاب والمنتفعين منهم . ثالثا: توريط البلد بالديون لعقود مقبلة سواء نتيجة توقيع عقود خدمات الانتاج النفطية أو القروض. اذ وافق، صندوق النقد الدولي، منذ ايام، على إقراض النظام 15 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات بالاضافة الى اقتراضه 1.9 مليار دولار من البنك الدولي قبل شهور بذريعة «تغطية نفقات إعادة إعمار المناطق المحررة من قبضة مسلحي تنظيم داعش». كما كشف السفير الامريكي في العراق ستيورات جونز عن قيمة قرض التسليح الامريكي وقيمته 2.7 مليار دولار بفائدة 4.5 بالمئة لشراء الاسلحة الامريكية. هذه القروض، ستنهب، لامحالة، كما نهبت مليارات الدولارات من قبلها، بينما سيتحمل الشعب عبء تسديدها وفوائدها الباهظة. رابعا: خزينة الدولة اصبحت خاوية، الفتات الباقي فيها، لا يكفي لدفع رواتب من ثم شراء ولائهم بالراتب من ملايين الموظفين والمستخدمين وقوات الجيش والأمن (ثلثهم من الفضائيين باعتراف العبادي)، بالاضافة الى ميليشيات الحشد الشعبي . خامسا: تصاعد الغضب الشعبي مع زيادة الفاقة في البلد المنتج للنفط وانعدام مشاريع التنمية وقتل الصناعة الوطنية. سادسا: سياسة الاقصاء والتهميش والتطهير الطائفي واتهام محافظات بكاملها بانها موالية لتنظيمات ارهابية. سابعا: الصراع السياسي الداخلي بين الاحزاب الطائفية والعرقية، حتى ضمن البرلمان، وما ترتب على ذلك من تشرذم وانسحاب برلمانيين واعتصام عدد آخر داخله. ثامنا: تنامي الخلاف بين التيار الصدري وكتلة الفضيلة وحزب الدعوة وميليشيا بدر مما ادى الى اغلاق مقرات بعضها البعض في المحافظات حسب تقاليد المناطق المغلقة وتبادل التهم بالتبعية لايران او لداعش والبعث واقتحام المنطقة الخضراء. تاسعا : تنامي نفوذ الميليشيات وازدياد عددها خارج القانون بحيث أصبحت اقوى من الحكومة من حيث السيطرة على الشارع وترويع المواطنين. عاشرا: غياب القانون وفساد القضاء جعل كل مواطن عرضة للاتهام بالارهاب مع ما يترتب على ذلك من تعذيب واعترافات مستخلصة جراء التعذيب. أما الاسباب الخارجية لهزالة صورة ودور العبادي فبالامكان اختزالها بعامل التبعية المزدوجة لأمريكا وايران وانعدام الولاء الوطني مقابل انتشار مقاتلي الدولة الاسلامية وعملياتهم الارهابية. هذه الاسباب، واستخدام قوات الأمن الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين في نهاية شهر ماي وقتل أربعة منهم واصابة تسعين آخرين، جعلت الهجوم على الفلوجة، رمز المقاومة ضد الاحتلال الانكلو أمريكي وحكوماته، ضرورة وحربا مقدسة لانقاذ البقية الباقية من ماء وجه العبادي ونظامه، تغطية لعجزه، ودفع خطر ميليشيات الحشد الشعبي عنه وحزبه (حزب الدعوة) بالاضافة الى تحويل انظار المحتجين على الفساد والمطالبين بالاصلاح. فمن يتجرأ على مواصلة التظاهر والمطالبة بانهاء الفساد القاتل «مندس، ينتمي الى جماعات معينة تنوي القيام بتصعيد خطير في البلاد وهي في حالة حرب» حسب العبادي، وأدى تصاعد الاحتجاجات الى الهجوم على مقرات الاحزاب على تصاعد الاتهامات واستحضار تهم كانت تقتصر على شريحة معينة من ابناء الشعب. تهم على غرار «عصابات الحرس الجمهوري وفدائيي صدام ابان الحقبة البعثية المظلمة» و«جماعات خارجة عن القانون.. تقوم بتنفيذ اجندات خارجية» حسب نوري المالكي، أمين عام حزب الدعوة، و«بعثي أو داعشي»، حسب هادي العامري قائد فيلق بدر الايراني. أما عادل عبد المهدي، نائب رئيس الوزراء المقال، ووزير النفط سابقا، فقد كتب حاثا قوات الأمن على القيام بواجبها تجاه المحتجين» ان تردد القوات الامنية بواجباتها لحفظ امن المواطنين والمصالح والمكاتب بحجة عدم اراقة الدم هو اقصر واسرع طريق لاراقة الدماء». «العبادي شريك ممتاز لامريكا ... نحن فخورون بشراكتنا مع العبادي»، يتعالى صوت السفير الامريكي بالعراق، متباهيا، وهو ينظر الى العبادي الغائص حتى ركبتيه بدماء الشباب العراقي، «اكثر من 60 ضربة جوية نفذها التحالف خلال الاسبوع الماضي منها 25 في الفلوجة».