لا شك أن صلة الرحم هي إحدى الأسس التي تدفع قدما نحو التقدم والتطور، على اعتبار أنها تبني علاقات اجتماعية راشدة وسليمة من الضغائن والأحقاد العفنة، التي لا تنتج سوى الاضطراب والتفكك. والمتتبع لوضعية العائلات المغربية خاصة داخل المدن الكبرى يتأكد من أن العلاقات الأسرية تعيش مشاكل كثيرة. فهذا لم يزر أباه وإخوانه منذ سنوات، وتلك لم تر أختها منذ سنين، وأولئك هجروا أبويهم منذ مدة، ولم يعد يربطهم بهم شيء. وإذا كانت الأوضاع بهذا الشكل تخص الأسرة الواحدة، فإن الحال داخل العائلات الكبرى يبدو أكثر قتامة، ويدعو بشكل كبير للقلق. وفي غالب الحالات، تقف أسباب تافهة ولا قيمة لها وراء قطيعة الرحم. فبعض العائلات تسببت خلافاتها حول الإرث في تقطيع أوصالها، ووضع حد لصلة عظيمة ربطتهم جميعا، وبعض العائلات الأخرى، حولت خلافات زوجية بين بعض أفرادها ألفتها إلى تشتت منبوذ، في حين شتتت شمل عائلات أخرى صراعات بين صبيتها، وتطورت فيما بعد إلى صراعات بين كبرائها. ومن المؤكد أن نمط الحياة السريع ساهم هو الآخر في تشتيت شمل العائلات، بحيث إن سعي الإنسان وراء لقمة خبزه في أماكن بعيدة عن مقر العائلة الكبرى، يباعد الشقة، ويؤثر سلبا على فرص الاجتماع بين أفرادها. وهذا ما يجعل الأجيال الجديدة غالبا لا تعرف بعضها... بل وحتى داخل المدينة الواحدة، قليلا ما يجتمع أفراد العائلة بينهم، بسبب انشغالهم بأعمالهم، وبأبنائهم، وبمشاكلهم الكثيرة، التي لا تعد ولا تحصى في هذا الزمن المعولم، الذي لا يكاد فيه الإنسان يحس بمرور الشهور والسنوات، بله الساعات والأيام. إنها صورة مقلقة، لا نريد لها أن تبقى كذلك، كما لا نريد لها أن تتطور طبعا بشكل سلبي لما هو الحال عليه في دول الغرب، حيث لم يعد للأسرة معنى كبير داخلها. فلا يمكن أن نتصور أن تنشأ في بلادنا دور لرعاية المسنين، بعد أن يجد الآباء والأمهات أنفسهم في الشارع. وكلنا يتذكر ال15 ألف قتيل في فرنسا نتيجة الحر الشديد، الذي لم يجد فيه أولئك الضحايا أيد حنونة تمدهم برشفة ماء بارد، أو بدواء نافع، ينقذهم من موت محقق، وقد كان من بين الضحايا 4600 شخص ممن يوجدون في دور الرعاية تلك. إنها كذلك صورة، تجعل الإنسان يدرك مدى العمق والدقة للمعاني العظيمة، التي يشير إليه قوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم، عن أمنا عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم : الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله.