يحاول الأستاذ عبد الحي العمراني بيان الفرق بين الشريعة والقانون الوضعي في شأن ضمان الأمن للأفراد والمجتمع موضحا قصور القوانين الوضعية في الحفاظ على حقوق الإنسان مع تأكيده القول بأن تشريع الحدود في الإسلام هو صيانة للعدل والاطمئنان بين أفراد المجتمع. عندما تزاح الشريعة ينعدم الأمن الديموقراطية هي الأمن أولا إذ بانعدام الأمن تتخرب الأوطان ويكثر فيها الفساد، ويعم البلاء، والحكم إذا لم يحفظ أمن المواطنين في أرواحهم وممتلكاتهم ومساكنهم وشوارعهم، وجميع الأمكنة التي يقصدونها ويتحركون فيها اعتبر حكما فاشلا فاقدا لأهميته خصوصا إذا تخلى المسؤولون في الدولة عن ضمان أمن المواطنين واسترخى رجالها فوق أرائكهم، وأغلقوا عليهم مكاتبهم، ولم يتصلوا بالمواطنين صباح مساء لمعرفة أحوالهم الأمنية، والضرب على أيادي المجرمين والقتلة واللصوص فإن الديموقراطية تعتبر لاغية ولا مدلول لها في واقع الناس وحياتهم وجميع شؤونهم المعاشية. ولم تعد اللصوصية فردية في مجتمعنا ونادرة الحدوث كما كان الشأن وكما يكون عند وجود سلطة فاعلة وفضاء محكم وعدل وفق شريعة الله لا حسب القوانين المجلوبة التي لا تتلاءم إطلاقا مع مقوماتنا الأساسية كما جاءت بها الشريعة، وأن الحكم على المجرمين وفق القوانين المجلوبة بالسجن وحده لا تجدي ولا تنفع في تحقيق الأمن والعدل بين الناس لأن السجون تحولت إلى مدارس لتخريج المجرمين وتكوين العصابات الإجرامية، والتدريب على الغصب والاغتصاب، فيخرج المجرم منها وقد تكوّن تكوينا إجراميا ممتازا له القدرة على استعمال أسلحة الإجرام بأنواعها، وعلى اقتحام مساكن المواطنين ومتاجرهم، وعلى اغتيال الناس في الشوارع بل وفي داخل قاعات المحاكم وا أسفاه عندما طعن مجرم رجال الأمن بسكاكينه وقتل وجرح بمحضر قضاة المحكمة وتحت نظرهم، فكيف والحالة هاته لا يحكم على الفاعل بالإعدام وبسرعة ليكون عبرة لأمثاله من المجرمين؟ لا أن تجرى عليه المساطر المستوردة ثم يحكم عليه بالسجن فقط ليعيش تحت سقفه من أموال الدولة، ويتحصى فيه من ميزانيتها، ثم يطلق سراحه ليعيث في الأرض فسادا وقد تكون تكوينا إجراميا خطيرا على أمن المواطنين وحريتهم. فماهو حكم الشريعة في قطاع الطرق وعصابات الإجرام؟ يقول سبحانه في سورة المائدة 63: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم). واختلف رواة الحديث في أسباب نزول هذه الآية، كما اختلف الفقهاء في تفصيل حكمها، وهل هو خاص بمن نزلت فيهم من الكفرة؟ أو في الذين غدروا من اليهود ونافقوا؟ لكن أكثر الفقهاء حملوها على كل من يفعل ما ورد فيها من أفعال إجرامية خطيرة من المسلمين، فهي عامة شاملة عند القدرة والتلبس، والدليل على ذلك الاستثناء الوارد فيها على التائبين قبل القدرة عليهم لأن الكافر لا تشترط توبته قبل القدرة عليه لكفره وإصراره على فسوقه وإفساده في الأرض، وعند تطبيق الحد يحرم الإسلام المثلة. ومعظم الفقهاء على أن الفساد في الأرض يسلب الناس أمنهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم إذ لا حياة ولا سلامة مع انعدام الأمن وفقدان وفقدان الطمأنينة عند الشعوب المعرضة لأفعال العصابات الإجرامية، ولذلك أصدر القرآن تشريعا فيهم بقساوة كقساوتهم عند مباشرة الإخلال بالأمن والنظام والمس براحة المواطنين في شؤونهم الخاصة والعامة. ويقول العلامة الداعية محمد رشيد رضى في تفسير المنار: والتشديد في سد الذرائع ركن من أركان السياسة لا تزال جميع الدول تحافظ عليه حتى إن بعضهم يحكم الوهم فيه... وجزاء الذين يفعلون ما ذكر محصور فيما يذكر بعده من العقوبات على سبيل الترتيب والتوزيع على جناياتهم ومفاسدهم لكل منها ما يليق بها من العقوبة... ونقل عن الإمام مالك أنه قال: المحارب عندنا من حمل السلاح على المسلمين في مصر أو خلاء فكان ذلك منه على غير ثائرة كانت بينهم ولا دخل ولا عداوة قاطعا للسبيل والطريق والديار مختفيا لهم بساحة، وأن من قتل منهم قتله الإمام ليس لولي المقتول فيه عفو ولاقود... وكثرة الشروط التي اشترطها الفقهاء لها موضعها في زمنهم، وقال بعضهم: إن الآية صريحة على أن العقاب يخص من يفسدون في الأرض بالقتل أو النهب والسلب أو الأعراض، وكل اعتداء يماثل ذلك يعتبر محاربة لله ورسوله وللشريعة وأحكامها، ومخالفا للعدل والحق والأمن كان داخل المصر أو خارجه لأن العصابات الإجرامية لم تعد مقتصرة على الغلاة وإنما أضحت في الأمصار أشد وأقسى وبأسلحة متنوعة نارية وغيرها، فلا سلامة ولا أمن ولا طمأنينة ولاحرية إلا بالزجر الأليم أو التعزير الشديد بما في ذلك الإعدام، ومطلق الحكم بالسجن لا يوفي بالغرض الشرعي في المجتمع الإسلامي، ويبقى التخيير للقضاء النزيه في العقوبة حسب عنفها وحسب المجرم المرتكب للحرابة، ولا ندخل في التفاصيل الفقهية واحتمالاتها ونحن نشهد خطر الإجرام في مجتمعنا ليلا ونهارا. وجزاءا المحاربين المفسدين الضالين المروعين للناس خزي لهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم على ما ارتكبوه من إجرام في حق المواطنين الأبرياء إلا الذين تابوا قبل القدرة عليهم فلهم حكم يخصهم حسب الجرائم التي ارتكبوها. ولا يتحقق حكم الله في العصابات المجرمة المسلحة إلا عند وجود الحكم بشريعة الله في نظام إسلامي شوري لا نزغة فيه ولا التواء ولا ديكتاتورية تدعي أنها تحكم الشريعة فتعاقب المعارضين لا لكونهم أجرموا في حق شعوبهم وإنما لكونهم يعارضون الحكم بغير ما أنزل الله. إنه لامماثلة بين الشريعة السماوية والقانون الوضعي المقتبس ولا قياس معه لاختلاف مصدرهما ومجتمعهما وعقيدة أهلهما لكون الشريعة من عند الله والقانون الوضعي من عند البشر والله أعلم بخلقه منهم بأنفسهم، فما ورد من عند الله فنزل عن النقص والغلط والغرض لكونه سبحانه أعلم بالنفوس وسرائرها وتقلباتها معرفة مؤكدة، والبشر تعتريه العماية والنقص والشهوة والغرض والضعف والعجز فكانت قوانينه عرضة للتغيير والتبديل والنقصان وعدم العمق في دخائل النفس البشرية بخلاف شريعة الله. وعندما نستعمل شريعتنا الإسلامية وننظر في القوانين الوضعية بتعقل وتجرد ونزاهة ونرفض التقليد للأجنبي المسيطر على المسلمين بجبروته بل على العالم كله ندرك الفرق الشاسع بين هذا وذاك لنحكم حدود الله كما وردت في شريعته وبذلك نخلص وطننا من الفتى والهمجية والتعدي على الحقوق سواء من جانب الحاكمين أو المحكومين، وشريعة الله لا تميز بين الطبقات وتجعل الناس كأسنان المشط كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا مكان هنا لما يسمونه بحقوق الإنسان خارقين الشريعة ومعاندين الوحي من عند علام الغيوب جل جلاله. إن الإسلام سباق للأمر بالمحافظة على حقوق الإنسان ومراعاتها بدقة ووضوح، والمتمشدقون بالدفاع عن حقوق الإنسان ينظرن نظرة قصيرة إلى جانب واحد في هذه الحقوق ويغفلون أو يتغافلون عن الجانب الآخر بل والجانب الإنساني العام في هذه الحقوق، وبذلك يدعون بالباطل أن إقامة الحدود الضامنة للأمن والعدل والاطمئنان فيها قساوة وعنف جاهلين مراميها في الجوانب الأخرى، وبذلك يقلدون الغرب تقليدا أعمى، ولو أنهم تدبروا الأمر تدبيرا حكيما لوجدوا أن الإجرام المنظم والفوضوي دخل لبلادنا من بلاد الغرب فهو منتشر في معظم تلك الدول وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية زعيمة الإرهاب والإرهابيين في العالم، وفيها الآن حكومة عنصرية صهيونية طاغية تخرق جميع القوانين الدولية بجبروتها وتدوس حقوق الإنسان في كل بقعة من بقاع الأرض كفلسطين وأفغانستان وغيرهما ثم تلوح بدفاعها عن هذه الحقوق وهي وحدها التي تخرقها علانية وتستعمل حق النقض في مجلس الأمن إلى جانب صهاينة إسرائيل ليستمروا في التنكيل بإخواننا الفلسطينيين وهدم منازلهم وعلى رؤوسهم والعالم كله يشهد عنفوان الأمريكيين وطغيانهم بقوتهم التي يظنون أنها لن تقهر الله سبحانه هو القاهر فوق عباده وحده، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. إن الحكومة الأمريكية وهي في أوج عظمتها تستهين بحقوق الشعوب في الحرية والاستقلال وتتهيأ بأساطيلها وطيرانها ودباباتها وجميع أنواع أسلحتها المدمرة لتلك أرض العراق الشقيق بشعار الديمقراطية الكاذبة وحقوق الإنسان المزورة وعلى الظالمين ستدور الدوائر وهي سنة الله في كونه. عبد الحي حسن العمراني