تعرف السلفات الصغرى بكونها سلفات لمبالغ صغيرة تستجيب لظروف آنية استعجالية، تسترجع في وقت وجيز وتكون فائدتهاملائمة للمشاريع الصغرى، توجه لشرائح محددة من المجتمع ذات دخل محدود أو عاطلة عن العمل أو ماشابه. ويعتبر يونس محمد الأستاذ الجامعي البنغالي أول من طور فكرة القروض الصغرى في صيغتها العملية، بعدما لاحظ أن معظم السكان لا يساهمون ببلاده في تنشيط الاقتصاد الوطني، لكونهم لا يملكون الوسائل المادية لذلك، الأمر الذي يستغله كبار المرابين فيفرضون على الفقراء والمحتاجين شروطا قاسية في حالة عدم سداد الديون التي بذمتهم، من قبيل العمل لسنوات في مزارع الدائنين. وقد اهتدى يونس محمد إلى خلق طريقة تشرك السكان ذوي الدخل الضعيف في تنمية بلادهم، في شكل قروض صغرى كصيغة من صيغ التمويل من خلال بنك خاص يقوم بالمهمة، يشرك المقترضين في تسيير العملية مثل بنك كرامين الذي أسس سنة 1983 واعتبر من و إلى الفقراء البدويين، هذا الأخير سهر على توفير التكوين السريع والبسيط لزبنائه وأعضائه في كيفية إدارة المشاريع وإنجاحها. لقد بدأت الفكرة بخلفية اقتصادية، لكنها سرعان ما اكتست طابعا اجتماعيا ساهم في الدعاية لها والتمكين لها داخل الطبقات الفقيرة. النجاح الذي لقيته التجربة المذكورة دفعت الخبراء في المؤسسات المالية الدولية للاهتمام بالفكرة والتعرف على تفاصيلها من خلال استدعاء صاحبها ومبدعها لشرحها ومحاولة الإفادة منها، خاصة وأن نجاح تجربة السلفات الصغرى تزامن مع تصاعد سلبيات القروض التي أعطتها المؤسسات المالية الدولية من قبيل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس للدول النامية زادت من إغراقها في بئر المديونية، بحيث صارت معركة دول العالم الثالث مع أداء فوائد القروض دون الأصل، وبالتالي الجري وراء جدولة وإعادة جدولة الديون، لأن سياسات التقويم الهيكلي خلفت نتائج اجتماعية فظيعة، دون أن يحصل أي تطور في مستوى التنمية البشرية بقدرما حصل تراجع. وقد حاولت بعض الدول اقتفاء التجربة البنغالية سواء في إفريقيا وبالضبط في مالي حيث كانت تجربةاتحاد الادخارات أحسن، أو في آسيا من قبيل تجربةاختيار في ماليزيا والتعاونيات المحلية بالصين التي كانت تحول جزء من أرباحها لتعليم الكبار وتمويل صندوق الضمان الاجتماعي لأعضائها، الأمر نفسه حصل في أمريكا الجنوبية من قبيل صندوق القرض السكني بالمكسيك، ومجموعة حركة المواطنين ضد الجوع والفقر بالبرازيل وفيما يتعلق بالمغرب، فقد تكفل النظام العائلي القائم على أخلاق التعاون والتضامن الإسلامية بأمرالرعايةالاجتماعية والتآزر الاقتصادي، حيث كان الأقرباء فيما بينهم يقدمون لبعضهم البعض قروض إحسان صغرى ، ومع المدة تطور الأمر نحو إنشاء المؤسسات البنكية كالبنك الشعبي في إطار شركة ضمان تعاضدي قبل أن يتحول الأمر إلى ما هو عليه اليوم، وتدخل المؤسسات الدولية على الخط، وتظهر جمعيات مغربية خاصة تعمل في مجال القروض الصغرى كجمعية زاكورة، وجمعية الأمانة والجمعية المغربيةتضامن بلا حدود. لقد أغرت التجارب الرائدة الدول الغربية للاهتمام بالسلفات الصغرى لكن بخلفية استثمارية محضة بالمعنى الشامل للاستثمار، من خلال عدد من المؤسسات منها ما هو تابع لبرامج الأممالمتحدة من قبيل برنامج التنمية المعروف بPNUD أو برامج تابعة لدول بعينها مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المعروفة بإيسايدي التي اهتمت بالسلفات الصغرى، والعمل في إطار شراكات مع الجماعات المحلية في المدن والقرى ، ولها وثيقة تضبط عملها بالاتفاق مع الكونغرس الأمريكي الذي يحدد لها ميزانية خاصة بها. يشار إلى أن واشنطن كانت قداحتضنت سنة1997 في شهر فبراير قمة عالمية للسلفات الصغرى، حضرتها شخصيات سياسية عالمية ومؤسسات حكومية ومنظمات غير حكومية، ورجال الاقتصاد والمال وغيرهم ،وقد لخصت هيلاري كلينتون موضوع اجتماع القمة بقولها:قروض صغرى، أفكار كبرى. أفكار انطلقت من المجتمع فركبت عليها الدولة مع الأسف بعدما غيرت وجهتها وأبعادها من بعد اجتماعي إنساني محض، إلى أبعاد أخرى أقل ما يقال عنها أنها استغلالية. إعداد: محمد عيادي