بعد موجة الحر الرهيبة التي شهدتها فرنسا وبعض الدول الأوروبية، ظهرت العديد من الحقائق التي تكشف مدى الضعف الاجتماعي الذي يعيشه الغرب. فقد ذكرت عدة صحف فرنسية أن موجة الحر الشديدة التي اجتاحت فرنسا وأسفرت عن وفاة نحو 10400 شخصا، أغلبهم من كبار السن، كشفت عن مشكلة التفكك الاجتماعي الذي تعاني منه فرنسا. وقالت صحيفة ليبيراسيون في عددها ليوم الأربعاء الماضي إن موجة الحر كشفت مجددًا عن مشكلة يحاول الفرنسيون نسيانها وهي التفكك الاجتماعي، وغياب الترابط العائلي، وسيادة الأنانية والنزعات الفردية. وأوضحت أن أغلب الجثث المكتشفة كانت لمسنين يعيشون في منازل منفردين؛ حيث تبقى الجثة ليوم أو يومين أو حتى ثلاثة دون أن يعلم أحد بأنها ماتت بسبب الحر. وأضافت الصحيفة أن الرائحة النتنة وحدها تكشف لسكان العمارة أن جارهم قد توفي. ونقلت الصحيفة عن إحدى المسنات قولها أقيم في الطابق الأخير في إحدى العمارات المكتظة بالعاصمة باريس، وعندما اشتد الحر لم أستطع الخروج من غرفتي، وبقيت كذلك ستة أيام دون أن يطرق بابي أي من الجيران ليسأل عن صحتي أو حالي، إنه أمر مخجل، ولكنه مجتمعنا!. وقد شهدت المستشفيات الفرنسية منذ أوائل شهر غشت الجاري اكتظاظًا لم يسبق له مثيل، حيث توافد الفرنسيون وخاصة فئة كبار السن لتلقي العلاج، ولم تشهد فرنسا ارتفاعا مماثلا في درجات الحرارة منذ عام 1949 وهو تاريخ آخر موجة حر شهدتها فرنسا. صحيفة لوموند أوضحت من جهتها أن درجة الحرارة المرتفعة أبرزت إلى الواجهة مدة الفردانية والأنانية التي يعيش عليها الشعب الفرنسي، وتعد مقوما من مقوماته الحضارية. وقالت الصحيفة الواسعة الانتشار في عددها ليوم الخميس الأخير إن هذه الأزمة أوضحت بشكل لا يدع مجالا للشك أننا كنا غير إنسانيين إلى أقصى الحدود. وأضافت الصحيفة في نقد لاذع لبنية المجتع الفرنسي قائلة لقد أوضحت هذه المأساة للجميع البنية الاجتماعية للمجتمع الفرنسي التي تتكون من فئة الفرنسيين الذين لا يشعرون بشيء بفضل مكيفات الهواء الممتازة، في مقابل الفرنسيين الذين يحترقون بلهيب الشمس دون أن يلتفت إليهم أحد. كما أظهرت المأساة فئة الفرنسيين السياح الذين يستمتعون ببرودة الجو عبر العالم، في مقابل الفرنسيين المهملين الذين لا يهتم بهم أي شخص. واسترسل صاحب المقال قائلا لقد تركنا الكثير من الأشخاص كبار السن يموتون بتأثير الحر الشديد. دون أن تقدم لهم يد المساعدة. وصب جام غضبه على السياسيين الفرنسيين قائلا ماذا ننتظر من سياسيينا، أن يوقفوا ملاسناتهم البليدة، ويستمعوا لنشرة الأخبار الجوية؟.... وأضاف أن هذا الإهمال الكبير الذي قوبلت بها المأساة من طرف هؤلاء السياسيين، يعقد الأمور أكثر، ويدفع بالمواطن البسيط إلى طرح العديد من الأسئلة، التي يتيه الإنسان في البحث عن جواب لها وسط التأثيرات القوية التي خلفتها المأساة. وخلصت الصحيفة إلى القول بأنه من ضمن تلك الأسئلة التي تتطلب جوابا حاسما هي لماذا نسينا جيراننا وتركناهم يلقون حتفهم أمام عيوننا، وكيف ننفض الغبار عن خلق الاهتمام بالآخر داخل أعماق نفوسنا ونخلق سياسات تنموية تحد من مثل هذه الأخطار مستقبلا؟ وذلك في سبيل أن تتغير بعض المفاهيم لدى المجتمع الفرنسي والمرتبطة بالأسرة وبالتكافل المجتمعي عامة. أحمد حموش