من لوازم احاديث النخبة الليبرالية واليسارية العربية عن الحالة الاسلامية بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر تلك الأزمة التقليدية المملة عن صناعة الولاياتالمتحدة لما يسمونه (الاسلام السياسي) او (التطرف الاسلامي) وقد وصل الحال ببعضهم حد اعتبار الصحوة الاسلامية في البلدان العربية والاسلامية من صنع اميركي ايضا. ينطوي هذا الكلام على جهل فاضح بالتاريخ والحاضر معا كما ينطوي على جهل فاضح بالاسلام ومكوناته وتحولاته ، والا فهل تحتاج عودة المسلمين الى دينهم وانحيازهم اليه الى مؤامرة والى ارادة اميركية او خارجية ايا كانت. ثم اين الفارق في وعي هذه النخب بين حركة التاريخ وتحولاته وتأثيرها على الحالة الاجتماعية والسياسية وبين الخطط المدروسة لاستخراج الجني من قمقمه؟! في حركة التاريخ ثمة مصالح تلتقي وتفترق بين الجماعات الانسانية انظمة ومنظمات وشعوبا ولا يعني هذا الالتقاء ان احدها قد صنع الاخر او حتى وظفه تماما لحسابه ، فعندما يقول البعض ان الولاياتالمتحدة قد استخدمت المجاهدين الافغان في تدمير الاتحاد السوفيتي الا يمكن بالمقابل القول ان الافغان قد استثمروا عداء واشنطنلموسكو في الانتصار على عدوهم الذي استباح ديارهم واراد تحويلها من محضن للاسلام الى موئل للالحاد؟! تحولات التاريخ كلها او معظمها كانت افرازا لحالات التناقش بين القوى الكبرى، وهذا ما قرره رب الكون من خلال سنة التدافع بين البشر بقوله تعالى : (ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الارض). لقد ازدادت معاناة الكثير من الدول جراء الانفراد الامريكي بالعالم خلال السنوات العشر الاخيرة وغياب اية قوة موازية وكان الجميع يرقبون التحولات الدولية التي تبشر بظهور تناقضات مختلفة للولايات المتحدة مع العالم تنذر بنشوء حالة من التعددية القطبية تسمح للقوى المستضعفة بلعب دور خارج سياق ما ترسمه لها سياسات الاملاء والهيمنة الاميركية. في مثال قريب على ذلك يمكن التساؤل: ماذا لو لم تتناقض موسكو مع واشنطن قبل شهور ألم تكن العقوبات الذكية برسم الاقرار في مجلس الامن وهو ما قد يحدث الان بعد انسجام بوتين مع بوش لقاء مكاسب بعضها معروف والآخر غير ذلك؟! هذه المعادلة تنطبق على الصحوة الاسلامية التي كانت ردة فعل على الهزيمة التي منيت بها الامة امام المشروع الصهيوني كما كانت ردة فعل على موجة التغريب والالحاد التي فرضها الغرب الاستعماري على ديارنا لا لاجل ادخالنا في عالم الحداثة كما يقول بل لاجل ضرب اساس تماسكنا وقوتنا كما انها اي الصحوة ردة فعل طبيعية لأمة لم تتجاهل قيمها الاساسية يوما رغم كل الهجمات التي تعرضت لها ثقافتها خلال التاريخ. لقد كان الاسلام طوال خمسة عشر قرنا هو عنوان العزة لهذه الامة وهي لم تعرف انتصارا خارج سياقه فكيف ترد عودتها الحديثة اليه الى مؤامرة اميركية؟! ثم ان الصحوة الاسلامية كانت سابقة على الجهاد الافغاني بل كانت في افضل حالاتها قبل انطلاقته وحتى تيار العنف او الجهاد كان موجودا ايضا قبل ذلك ألم تصطدم مجموعات اسلامية بأكثر من نظام قبل عام 0891؟ ألم يشارك اخرون مرارا في الجهاد في فلسطين في اكثر من مرحلة اخرها عام 9691 ، 0791 من خلال ما اطلق عليه قواعد الشيوخ وذلك قبل انطلاقة (حماس) والجهاد بعد منتصف الثمانينيات وهي الانطلاقة التي لا تمت بصلة الى الجهاد الافغاني؟! الظاهرة الاسلامية هي نتاج طبيعي لانحياز هذه الامة الى دينها اما التطرف او العنف فهو وليد ظروف موضوعية على رأسها ظروف القمع في الداخل والغطرسة والاذلال من الخارج سواء كان سوفيتيا ام اميركيا اما مساهمة هذا الطرف او ذاك في دفع الظاهرة وتعزيزها فهو وضع طبيعي لا علاقة له بالتآمر والصناعة المخطط لها. لقد ثبت للجميع صعوبة وضع الظاهرة الاسلامية ضمن دائرة الاستيعاب الخارجي ولعل ذلك هو سر الاجماع على حربها من القوى الدولية الآن وهي الحرب التي ستظهر مع الوقت على حقيقتها حربا ضد الاسلام والا فما معنى قول ذلك المسئول البريطاني ان المعركة ضد الارهاب ستمتد الى خمسين سنة مثل الحرب على الشيوعية؟! من هنا فإن المصلحة العليا للامة دولا وشعوبا تقوم على ترشيد الظاهرة الاسلامية وتخليصها من كل الشوائب التي علقت بها خلال عقود ولا يكون ذلك الا بالحوار الايجابي اما المساهمة في الصدام معها فلن يصب في صالح الامة ابدا بقدر ما يصب في صالح الاعداء ياسر الزعاترة