هل يستعين أوباما بتقارير مؤسسة راند ؟ اي اسلام تريده امريكا للمسلمين ؟ انه سؤال ضروري يطرح نفسه براهنية مع مجيء الرئيس الامريكي ذو الاصول الزنجية باراك حسين اوباما وما ابداه هذا الأخير من نزعة تصالحية في خطاباته الاعلامية خاصة ابان زيارته لتركيا حيث اعلنها صراحة ان امريكا ليست في حرب ضد الاسلام محاولا ترميم ما افسده بوش الذي مثل يد امريكا الخشنة التي تبطش بها فجاء القديس اوباما ليمثل اليد الناعمة التي تحاول تبديد ما لحق بوجه امريكا من تشوهات وقبح طافح عبر سلك سياسة ناعمة, لقد اعتبر البعض اوباما بمثابة الاطفائي الذي قد يسخر معظم اوقاته لاطفاء الحرائق التي اشعلها سلفه وبخاصة المواجهة المفتوحة مع الاسلام بدعوى الحرب على الارهاب وماخلفته من تكريس وترسيخ لثقافة التضاد التي لطالما تنبأ بها العديد من المنظرين والمسؤولين في الدول الغربية وخاصة في الولاياتالمتحدةالامريكية التي تتزعم التصدي لما تسميه بالاصولية الاسلامية. "" نحو وصفة امريكية لدعم الاسلام لايت لقد دشن اوباما ولايته على رأس اعتى دولة في العالم بمغازلة العرب والمسلمين من خلال التشطيب على عبارة الحرب على الارهاب التي ابتدعتها ادارة والواقع ان تبني فكر المواجهة والسباق المحموم نحو تطويق ما اعتبر خطرا اسلاميا داهما ليس ابتداعا بوشيا او اجندة طارئة املتها ضربة الحادي عشر من سبتمر بل يجب اسقاطها ضمن سياقها التاريخي الذي ينبؤنا بوجود مواجهة شبه دائمة استمرت –ولاتزال- عبر قرون طويلة خاصيتها الاساسية هي كون معظم الغربيين ينظرون الى الاسلام ذاته- وليس المسلم فحسب- في الغالب كمشكلة او حالة مرضية بحاجة الى معالجة وهو تصور موجود بدرجات متفاوتة حتى عند التيار المتفهم بوش كما لم نعد نسمع بالتقسيم السفسطائي والمتعجرف القائم على مقولة من ليس معنا فهو ضدنا, كما وقع امرا تنفيديا باغلاق معتقل غوانتانامو السيء الذكر خلال عام بالاضافة الى اتخاد بعض الاجراءات الادارية من قبيل تعيين بعض المسلمين ضمن مستشاري البيت الابيض ويبدو ان شهية اوباما للقطع مع ممارسات وتصرفات سلفه في محاولة لتجميل الصورة النمطية التي انطبعت في أذهان المسلمين على وجه الخصوص, مرشحة في المستقبل المنظور لمزيد من الأفعال التي قد تفاجئ المتابعين والمترقبين لها، بقدر ما ستثير التساؤلات عن مدى «تقبل» مراكز النفوذ والضغط التقليدية في الولاياتالمتحدة لمثل هذه الإجراءات. لقد اسهب البعض في الحديث عن دور مرتقب للجالية المسلمة في تنوير الساسة الامريكان بالبيت الابيض عقب تعيين الباحثة الأميركية المسلمة ذات الجذور العربية (داليا مجاهد)، والتي انضمت إلى مجلس (أوباما) الاستشاري الخاص بالأديان المكون من ممثلي 25 طائفة وشخصيات علمانية أخرى و صرحت الاخيرة بأن مهمتها مركزة على اطلاع الرئيس (أوباما) على كيفية تفكير المسلمين، وتوقعاتهم ومطالبهم من الولاياتالمتحدة والواقع ان المرء يصاب بالدهشة الممزوجة بالسخرية القاتمة بمجرد سماعه لهكذا تصاريح -تعويمية وفضفاضة- خاصة عند الوقوف على عبارة : اطلاع الرئيس أوباما على كيفية تفكير المسلمين، وتوقعاتهم ومطالبهم من الولاياتالمتحدة و كأن السيدة داليا تتحدث عن مطابخ السياسة في دول بني يعرب المعتمدة على الوشاية والنميمة السياسية,فقد كان من المفروض ان تعلم اكثر من غيرها باعتبارها باحثة في معهد غالوب الدائع الصيت اين يكون صنع القرار السياسي الامريكي ومن هم صناعه وماهي مراكز البحث المعتمدة ولا اعتقد ان الاستطلاع الانطباعي الذي اشرفت عليه السيدة داليا يقع ضمن مايمكن الركون اليه والاطمئنان الى نتائجه في بلد يعج بالمراكز والمؤسسات البحثية المرموقة, فكيف يمكن للمرء ان يصدق ادعاء استطلاع اشرفت عليه السيدة داليا معرفة مايدور في خلد مليار مسلم إذا كان الانسان يعجز في كثير من الاحيان عن معرفة مايدور في ذهن اقرب الناس اليه ؟ وهذا يحيلنا بالضرورة الى سؤال مركزي الا وهو من هي الجهات المعول عليها لرسم السيناريوهات المرتقبة وذات مصداقية على الاقل بالنسبة للاوساط الرسمية الامريكية. مؤسسة راند أو العقل المدبر الذي تطمئن له عقول وقلوب الساسة الامريكان تم تأسيس مؤسسة راند عام 1945 بإشراف القوات الجوية الأميركية، وبمشاركة شركة "دوغلاس للطيران". إلا أن المشروع تحول لاحقا في عام 1948 الى منظمة مستقلة غير ربحية بتمويل من وقف فورد الخيري كان الهدف من تأسيس المؤسسة في الأصل هو إمداد القوات الأميركية بالمعلومات والتحليلات اللازمة إلا أن هذا الهدف توسع لاحقاً عندما أصبحت المؤسسة شبه مستقلة، ليشمل تعاملها واهتمامها بمعظم المجالات ذات العلاقات بالسياسات العامة داخل أميركا وخارجها ويوجد لدى المؤسسة "مجلس أمناء" يضع خططها المستقبلية، ومن أهم من عمل بهذا المجلس : دونالد رامسفيلد، كوندوليزا رايس، زالماي خليل زادا ...تعلن المؤسسة في أدبياتها وعبر موقعها على الإنترنت أنها "مؤسسة محايدة غير ربحية، تسعى إلى مساعدة الساسة وصناع القرار في فهم القضايا العامة من خلال البحث الجاد والتحليل العميق" وهذا هو نفس الهدف الذي تعلن عنه معظم مراكز التفكير في العالم ضمن ديباجة التأسيس .لكن أهداف المراكز -في الحقيقة- تتباين تباين أهداف المؤسسين والممولين والمشرفين. وقد خرجت مؤسسة "راند" في الأصل من تحت عباءة وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون وظلت السمة العسكرية تميز ميولها واهتماماتها وأبحاثها حتى اللحظة. كان لابد من هاته الاطلالة السريعة على هاته المؤسسة البحثية العملاقة وسنكتفي بادراج مثال واحد لكنه ذامغ للتدليل على قوة حضور و تاثير راند في صياغة الرأي لدى صناع القرار في أميركا، المثال يتعلق ب بول بريمر الحاكم الأميركي المدني السابق للعراق يذكر في مذكراته عن غزو العراق ( سنتي في العراق ) أنه عندما وطئت قدماه أرض العراق ودخل مكتبه لأول مرة وبدأ يفكر في طريقة تسييره لشؤون هذا البلد، كان أول ما وُضع بين يديه تقرير استراتيجي أعدته مؤسسة راند عن أفضل السبل لتسيير الوضع في العراق المحتل، مناسبة الحديث عن مؤسسة راند بتاريخها الفكري والتراكمي وتاثيرها الشديد في صنع القرار الامريكي نظرا للثقة الكبيرة التي تحظى بها ابحاثها , هو تقريرها عن كيفية احتواء المد الاسلامي بالدعوة الى معركة فكرية ضد الاسلام يقوم بها فريق من داخل المجتمع المسلم يتمثل في العلمانيين والحداثيين والتيار التقليدي الذي يصلي في الأضرحة ويميل إلى التصوف ومحاولة ضم الدعاة الجدد والكتاب والإعلاميين وجمعيات المرأة و قد تضمن هذا التقرير الذي استغرق ثلاث سنوات لاعداده و الصادر في مارس 2007 بعنوان :( بناء شبكات مسلمة معتدلة ) نقاط بعينها تحدد مواصفات الاعتدال المرجوة امريكيا منها : مساواة المرأة بالرجل في الميراث ورفض تطبيق الشريعة ... بالنسبة للعلمانيين تشير الدراسة إلي أن التيار العلماني في العالم الإسلامي، خصوصاً في البلدان العربية، يعاني من الضعف والتهميش نظراً للعلاقة الوثيقة التي نشأت بين العلمانية والنظم الشمولية. وتشير الدراسة إلي وجود ثلاثة أنواع من العلمانيين أولها، العلمانيين الليبراليين وهم الذين يؤيدون تطبيق القوانين العلمانية في الدول الإسلامية. وهم يؤمنون بالقيم العلمانية الغربية التي تقوم علي ما يسمي ب"الدين المدني". أما النوع الثاني من العلمانيين فتطلق عليه الدراسة اسم "الأتاتوركيين" نسبة إلي العلمانية التركية، التي تحرم أي مظاهر للدين في الحياة العامة كالمدارس أو الأماكن العامة. وهي أقرب ما تكون للنموذج الفرنسي والتونسي، وخير مثال علي ذلك موقفهم من قضية الحجاب. أما النوع الثالث فتطلق عليه الدراسة "العلمانيين السلطويين" وقائمتهم تشمل البعثيين والناصريين والشيوعيين الجدد. وعلي الرغم من علمانيتهم الظاهرة إلا أن هؤلاء قد يتمسكون ببعض الرموز الدينية من الناحية الشكلية فقط من أجل كسب التعاطف الشعبي علي غرار ما فعل الرئيس العراقي السابق صدام حسين. أما بالنسبة للإسلاميين الليبراليين، فعلي الرغم من أنهم يختلفون مع العلمانيين في أيديولوجيتهم السياسية، إلا أنهم يحملون أجندة فكرية وسياسية تتلاءم تماماً مع القيم الغربية، وهم يأتون من أوساط الإسلاميين التحديثين. وتشير الدراسة إلي أبرز أمثلة هؤلاء هو الناشط الإسلامي في ماليزيا "عليل أبصار عبد الله" وشبكته الليبرالية. وتري الدراسة أن هؤلاء لديهم نموذج خاص من الليبرالية الإسلامية يتواءم مع الديمقراطية الليبرالية الغربية خصوصاً فيما يتعلق بالديمقراطية وشكل الدولة وحقوق الإنسان والتعددية السياسية. بل الأكثر أن موقفهم من مسألة تطبيق الشريعة متقدم وبناء، علي حد وصف الدراسة، حيث ينظرون إلي الشريعة باعتبارها منتج تاريخي وأن بعض أحكامها لم يعد يتناسب مع الوضع الراهن. وفي هذا الإطار تشير الدراسة إلي ما كتبه الناشط السياسي التونسي "محمد شرفي" في كتابه (الإسلام والحرية .. الالتباس التاريخي) من أن الشريعة الإسلامية إبان الحكمين الأموي والعباسي كانت تعبيراً عن التحالف بين رجال الحكم ورجال الدين. وبالنسبة للإسلاميين التقليديين والصوفيين، تشير الدراسة إلي أنهم يشكلون الغالبية العظمي من سكان العالم الإسلامي، وهم يعبرون عن الإسلام المحافظ، ويؤكدون علي السير علي خطي السلف، والتمسك بالجانب الروحي للإسلام. وهم يعتمدون علي المذاهب الأربعة في فهمهم للإسلام. ووفقاً لهذه الدراسة فإن هؤلاء الإسلاميين من ألد أعداء الوهابيين والسلفيين الجهاديين وتشير الدراسة إلي أن الصوفية تتمتع بمكانة مميزة في كل من البوسنة وسوريا وكازاخستان وإيران وإندونيسيا، في حين أنهم يأخذون شكلاً رسميا في المغرب وتركيا والهند وألبانيا وماليزيا. اوباما والبحث الدؤوب عن خارطة طريق لرأب الصدع في علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي بعد هاته اللمحة عن اهم محاور التقرير نأتي الى بيت القصيد في تقديري الشخصي هناك ثلاث مؤشرات تدلل على استلهام اوباما لبعض الافكار التي طرحها تقرير راند اولا : اختيار تركيا كاول بلد اسلامي يزوره الرئيس اوباما لم يكن اختيارا اعتباطيا بل هي مسالة مقصودة حيث يمكن ادراجها في اطار تماهي الادارة الجديدة مع فكرة دعم المحاور الاسلامية او الاطراف كما سماها تقرير راند على حساب المركز ( المنطقة العربية ) والهدف هو أن تخرج الأفكار الإسلامية المؤثرة على مجمل العالم الإسلامي من الأطراف وليس من المركز (العربي) الذي أصبح ينتشر فيه "التطرف"، بحيث تصبح هذه الأطراف هي المصدرة للفكر الإسلامي المعتدل الجديد، ولا تخرج الأفكار من المركز.بالاضافة الى دواعي اخرى حتمت على الادارة الامريكية اعتبار تركيا نافذة على العالم الاسلامي من قبيل : -أن تركيا هي البلد الشرق أوسطي الإسلامي الديمقراطي النموذجي الوحيد، الذي تطمح أمريكا أن ترى نموذجه في كل بلدان المنطقة كما أن تركيا حليفة أمريكا، وترتبط معها بحلف كبير ومهم، وهو حلف الناتو. -أن تركيا يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في إقرار السلام في المنطقة بين العرب وإسرائيل، وإقامة الدولة الفلسطينية. وكان دورها مشجعاً وواعداً، في محادثات السلام غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا، قبل العدوان على غزة، في نهاية 2008 وبداية 2009 . كما تقوم تركيا بدور الوسيط الخفي، فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني. وكذلك دورها في تدعيم الأمن والاستقرار في العراق، كما جاء على لسان غول الرئيس التركي في زيارته الأخيرة لبغداد. ثانيا : تهافت اوباما منذ تنصيبه رئيسا للولايات المتحدةالامريكية في محاولة لتحسين العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي وبعث امل جديد في امكانية تجاوز نظرية الصراع والتحدي عبر الانصات للتيار المتفهم الداعي الى امكانية التعايش مع الاسلام كدين شرط ترويض المسلمين الجانجين بدفعهم للقبول بما يسمى القيم الاساسية للنظام الدولي كالديمقراطية والتعددية السياسية واحترام حقوق الانسان بالمفهوم الغربي المتعارف عليه من جهة والمراهنة على ادماج كل من يبدي انفتاحه على الغرب من علمانيين وليبراليين واسلاميين معتدلين لبناء ما وصفه تقرير راند المشار اليه سابقا " شبكات مسلمة معتدلة" وهذا بالضبط ما يفسر يد اوباما الممدودة. ثالثا : التزام ادارة اوباما الصمت حيال مسالة الديمقراطية او بالاحرى محنة الديمقراطية في العالمين العربي والاسلامي فمنذ مجيء اوباما الى البيت الابيض لم نسمع بدعم ادارته للديمقراطية في مواجهة الانطمة الديكتاتورية المتسلطة في معظم الدول العربية والاسلامية وهدا ما قد يؤشر على استلهام اوباما لتقرير راند الذي اعتبر صراحة ان هناك مشكلة امريكية في الضغط على حكومات وأنظمة الدول العربية والإسلامية المتسلطة للحصول على الديمقراطية،ما يعني ضمنا التوقف عن دعم برامج الديمقراطية في العالم العربي والاسلامي والتوقف عن الضغط للمجيء بالديمقراطية ومن تمة فان الترويج لشعار التحول الديمقراطي بضاعة كاسدة وبالتالي فالبديل الجاهز هو أن تشرع الولاياتالمتحدة في بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين او ما اصبح يعرف اعلاميا ب" الاسلام لايت " على غرار الحجاب لايت ... *باحث وصحافي مغربي