مشاهد من حياة الصحابة أسماء بنت الصديق رضي الله عنها ذات النطاقين وحافظة سر الهجرة صحابية جليلة تحمل نسباً شريفاً عالياً جمعت فيه بين المجد والكرامة والإيمان، فوالدها هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولدها عبد الله بن الزبير أول صحابي ولد بعد الهجرة، وهي أخت أم المؤمنين عائشة من أبيها، إنها أسماء ذات النطاقين ولدت في مكةالمكرمة سنة 27 قبل الهجرة، وأسلمت رضي الله عنها بعد سبعة عشر شخصا ممن أسلموا، وكان عمرها آنذاك خمسة عشر سنة، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وآمنت به إيمانا قويا، وشاركت في نجاح هجرة الرسول الكريم إلى المدينة مع أبيها. شخصيتها كانت على قدر كبير من الذكاء، والفصاحة في اللسان، وذات شخصية متميزة تعكس جانباً كبيراً من تصرفاتها، حاضرة القلب، تخشى الله في جميع أعمالها. تزوجها رجل عفيف مؤمن من العشرة المبشرين بالجنة، ألا وهو الزبير بن العوام، فكانت له خيرة الزوجات، ولم يكن له من متاع الدنيا إلا منزل متواضع وفرس، وكانت تعلف الفرس وتسقيه الماء وترق النوى لناضحه، وكانت تقوم بكل أمور البيت. ومن شجاعتها عندما دخل عبد الله بن الزبيرعليها يشكو إليها تفرق أنصاره قالت له: يا بني إن كنت على حق فامض لما تؤمن به. قال: أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي. قالت: إن الشاة لا تخاف سلخها بعد ذبحها. كما كانت مضرب المثل بجودها، يقول عنها ابنها عبد الله: ما رأيت امرأتين قط أجود من خالتي عائشة وأمي أسماء، لكنجودهما مختلف: أما خالتي فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها ما يكفي قسمته بين ذوي الحاجات، وأما أمي فكانت لا تمسك شيئاً إلى الغد. حدث الهجرة وحفظ الأسرار وفي أثناء هجرة المسلمين إلى المدينة، وبقي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينتظر الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، فأذن الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة معه، وعندما كان أبو بكر الصديق رضي لله عنه يربط الأمتعة ويعدها للسفر لم يجد حبلاً ليربط به الزاد الطعام والسقا، فأخذت أسماء رضي الله عنها نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقته نصفين وربطت به الزاد، وكان النبي صلى الله علية وسلم يرى ذلك كله، فسماها أسماء ذات النطاقين ومن هذا الموقف جاءت تسميتها بهذا اللقب. وقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (أبدلك الله عز وجل بنطاقك هذا نطاقين في الجنة)، وتمنت أسماء الرحيل مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبيها وذرفت الدموع، إلا أنها كانت مع أخوتها في البيت تراقب الأحداث وتنتظر الأخبار، وقد كانت تأخذ الزاد والماء للنبي صلى الله علية وسلم ووالدها أبي بكر الصديق غير آبهة بالليل والجبال والأماكن الموحشة، لقد كانت تعلم أنها في رعاية الله وحفظه ولم تخش في الله لومة لائم. وفي أحد الأيام وبينما كانت نائمة أيقظها طرق قوي على الباب، وكان أبو جهل يقف والشر والغيظ يتطايران من عينيه مع نفر من قريش فخرجت إليهم؛ فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟! قلت: لا أدري والله أين هو؟ قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي، دون أن تفشي سر الهجرة النبوية. فقيهة ومحدثة وورعة روت أسماء رضي الله عنها خمسة وثمانين حديثاً وفي رواية أخرى ستة وخمسين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على أربعة عشر حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وانفرد مسلم بمثلها، وفي رواية أخرج لأسماء من الأحاديث في الصحيحين اثنان وعشرون المتفق عليه منها ثلاثة عشر والبخاري خمسة ولمسلم أربعة، وبلغت أسماء رضي الله عنها مكانة عالية في رواية الحديث، وقد روى عنها أبناؤها عبد الله وعروة وأحفادها في الطب، وكيفية صنع الثريد، وفي تحريم الوصل وغيرها من أمور. وكان الصحابة والتابعون يرجعون إليها في أمور الدين، وقد أتاح لها هذا عمرها الطويل ومنزلتها الرفيعة. وعن عبد الله بن عروة عن جدته أسماء قال: قلت لها: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله، تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم. قال: فأن ناساً إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشياً عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان. وقد كانت امرأة جليلة تقية ورعة، جادة في الحياء، عندما قدم ولدها المنذر بن الزبير من العراق أرسل لها كسوة من ثياب رقاق شفافة تصف الجسد فرفضتها، فقال المنذر: يا أماه، إنه لا يشف، قالت: إنها إن لم تشف فإنها تصف، ومن جرأتها وجهادها خروجها مع زوجها وابنها في غزوة اليرموك. آخر المهاجرات وفاة: توفيت أسماء سنة ثلاث وسبعين بعد مقتل ابنها بقليل، عن عمر يناهز مائة سنة، ولم يسقط لها سن ولم يغب من عقلها شيء، تاركة دروساً وعبر ومواعظ خالدة في الإسلام فقد كانت بنتاً صالحة، وزوجةً مؤمنةً وفية، وأماً مجاهدة ربت أبناءها على أساس إيماني قوي، ويكفي أن خير الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لقبها بالوسام الخالد أبد الدهر(