ذو النورين عثمان بن عفان:الرجل الذي تستحيي منه الملائكة تتعدد شمائل ومناقب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففضائلهم نماذج بشرية تطبيقية لما جاء به الرسول الكريم من الهدى، نفوسهم تتعالى عن إكراهات الظروف وهواها في سبيل نيل مرضاة الله تعالى، فهذا الشهيد عثمان ذو النورين يستحي من الله حياء لا يضاهى، ويعطي المسلمين مثالا فريدا في الجود بماله في وقت العسر، ،جمع رضي الله عنه المسلمين على مصحف واحد بقراءة واحدة حتى تؤتمن فتنة القراء واختلاف القراءات إسلامه ولد ثالث خلفاء المسلمين في السنة السادسة بعد عام الفيل، ونشأ في بيت كريم ذي مال وجاه، وشب على حسن السيرة والعفة والحياء. ويعد عثمان رضي الله عنه خامس خمسة من السابقين إلى الاسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، إذ أسلم بدعوة من أبي بكر الصديق، وتحمل في سبيل ذلك أذى كثيرا وظل ثابتا على عقيدته، فقد أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص بن أمية، فأوثقه رباطاً وقال:( أترغب عن ملّة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلّكَ أبداً حتى تدَعَ ما أنت عليه من هذا الدين)، فقال عثمان:( والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه)، فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه. حياؤه قالت السيدة عائشة: استأذن أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراش عليه مِرْطٌ لي، فأذن له وهو على حاله، فقضى الله حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى الله حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح عليه ثيابه وقال:(اجمعي عليك ثيابك)، فأذن له، فقضى الله حاجته ثم انصرف، قالت رضي الله عنها: فقلت:( يا رسول الله، لم أرك فزِعْتُ لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان!)، فقال:( يا عائشة إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يُبَلّغ إليّ حاجته )، لذلك قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة) رواه مسلم. وروى صاحبُ الحِليةِ عنِ ابنِ عمرَ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عثمان أحيا أُمتي وأكرمُها. وعنهُ أيضًا أن الرسولَ قالَ: أشدُّ أمَّتي حياءً عثمانُ بنُ عفان. تزوج عثمان رضي الله عنه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفيت تزوج أختها أم كلثوم ولذلك سمي (ذي النورين). جوده وكرمه أنفق خليفة المسلمين الثالث الكثير من ماله الوفير لخدمة الإسلام والمسلمين، ومن ذلك شرائه لبئر رومة، فقد كانت هذه البئر لرجل يهودي في المدينة وكان يبيع ماءها، فلما هاجر المسلمون إلى المدينة تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم لو يجد من بين أصحابه من يشتريها ليفيض ماؤها على المسلمين بغير ثمن وله الجنة، فسارع عثمان رضي الله عنه إلى اليهودي فاشتراها منه ووهبها للمسلمين، وذكر الإمام البخاري في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يحفر بئر رومةَ فَلَه الجنّة. فحفرها عثمان). ولما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تجهيز جيش غزوة تبوك الذي سمي بجيش العسرة، سارع عثمان رضي الله عنه بتقديم تسعمائة وأربعين بعيرا وستين فرسا أتم بها الألف فدعا له قائلا:( غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة )، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:( ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم). ثناء الرسول الكريم عليه أخرج البخاري في فضائلِ الصحابة ومسلم والترمذي في مناقِبِ عثمانَ، أن جبلَ أحدٍ ارْتَج وعليهِ النبِي صلى الله عليه وسلّم وأبو بكرٍ وعمر وعثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أُسكن أحد، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدانِ. وعن أبي سعيدٍ الخدريِ قالَ: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم من أولِ الليلِ إلى أن طلعَ الفجرُ رافعًا يديهِ يدعو لعثمانَ: اللهمَّ عثمانُ رضيت عنه فَارْض عنه. استشهاده مات شهيدا في صبيحة عيد الأضحى سنة( 35 ه)، ودفن بالبقيع، عندما اقتحم عليه متآمرون داره، وهجموا عليه وهو يقرأ القرآن، وتمكنوا منه، فسال دمه على المصحف، وتحققت له نبوءة رسولنا الكريم بالشهادة وباء القتلة بالوزر.