لا تبدو نتائج استطلاع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالموقف من الدولة العبرية مثيرة للدهشة، اللهم إلا من طرف أولئك الذين أدمنوا تحذيرنا من مغبة الاستمرار في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال لأنها تؤدي إلى خسارة الرأي العام الدولي. استطلاع الاتحاد الاوروبي، وكما هو حال استطلاعات "مركز بيو للأبحاث" قبل الحرب على العراق وبعدها يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأوروبيين يعتقدون أن الدولة العبرية والولاياتالمتحدة هما الدولتان الأكثر خطراً على السلام العالمي. وإذا كانت الأولى قد تفوقت هذه المرة بنسبة 59% مقابل 53% للثانية، فإن السبب هو أن الموقف من الأولى يجمع إلى البعد السياسي، تلك الأبعاد الثقافية والتاريخية ذات صلة بالموقف المسيحي المعروف من اليهود. من المؤكد أن نتائج الاستطلاع كانت متوقعة بالنسبة للدولة العبرية ولليهود عموماً، اذ أن أحاديثهم حول موجة "اللاسامية" الجديدة في أوروبا لم تتوقف، سيما خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وهي للتذكير سنوات انتفاضة الأقصى بمقاومتها المسلحة واستشهادييها، ما يعني صفعة لمقولة خسران الرأي العام الأوروبي الذي يميل كما هو الحال في العالم أجمع إلى دعم المقاومين وليس الخانعين. في فرنسا ثمة أحاديث لا تنقطع حول موجة "اللاسامية" التي يصفها مثقفون فرنسيون بأنها كلمة السر لمعارضة إسرائيل، أو السوط الذي يلاحق به منتقدو السياسة الاسرائيلية حيال الفلسطينيين. وهو ما يحدث في دول كثيرة مثل ألمانيا وسواها. في قراءة ظاهرة ازدياد العداء للدولة العبرية، يمكن القول إن سياساتها تجاه الفلسطينيين تشكل محور ارتكاز مهم في صناعة الظاهرة، لكن بعداً أكثر أهمية لازال يتوفر ، وهو ما يتصل بحجم النفوذ اليهودي في الدول الأوروبية فضلاً عن هيمنتهم على السياسة الأمريكية وجرها نحو مربعات أكثر استفراداً بالعالم وتجاهلاً لقواه الفاعلة الأخرى. في سياق مسألة النفوذ، أوضح استطلاع للرأي أجري العام الماضي في ألمانيا أن 60% من الألمان يرون أن اليهود لهم تأثير زائد عن الحد في بلادهم، وهو الشعور الذي يتوفر في معظم أنحاء أوروبا، وإلا كيف يفسر هؤلاء وصول اليهودي مايكل هاوارد إلى زعامة حزب المحافظين في بريطانيا قبل أيام على رغم أن نسبة اليهود في بريطانيا لا تتجاوز نصف في المئة؟ أما الأسوأ من ذلك فيتمثل في عدم اكتفائهم بما حصلوا عليه من نفوذ، حيث يسعون على الدوام إلى زيادته، ما يؤجج مشاعر العداء ضدهم على نحو مضطرد. أما الشعور بهيمنتهم على القرار في الولاياتالمتحدة، فقد تصاعد خلال تحضيرات الحرب على العراق، وتبدا من خلال مواقف وتصريحات كثيرة صدرت عن رموز كثر، كان من بينهم رجال دين كبار. ما ينبغي قوله هنا هو أن الموقف السلبي من اليهود وبالتالي الدولة العبرية لا يقتصر على أوروبا وإنما يتجاوزها إلى الولاياتالمتحدة نفسها. وهو أمر عبر عنه وزير شؤون الجاليات اليهودية (نتان شارانسكي) في مقال له بصحيفة "معاريف" كتبه بعد رحلة إلى الولاياتالمتحدة زار خلالها ثلاثة عشرة جامعة لمس فيها حجم العداء لإسرائيل، على رغم كون 10-20% من طلبتها من اليهود، كما قال (نسبتهم في الولاياتالمتحدة أقل من 2%!!). في "يديعوت أحرونوت" كتب أحدهم يقول إن "الكراهية الجديدة تجاه اليهود" المتوفرة حالياً ليس "لها مثيل منذ الثلاثينات والأربعينات". أليس في ذلك ما يدعو للتفاؤل؟! ياسر الزعاترة