في المقاهي وفي شبكات التواصل الاجتماعي والبيوت والشوارع وفي المواقع المحلية لا حديث للساكنة سوى عن الزلزال، كما قال فاعلون جمعويون لجريدة "التجديد"، لقد تزلزلت حياة الناس حتى خرجوا غاضبين في مسيرة شعبية الأحد الماضي في مدينة امزورن رافعين أصواتهم بما قالوا إنه تقصير من جهة السلطات في التعامل مع تبعات هذه الهزات الأرضية التي أفقدت الكثيرين صوابهم واستقرارهم النفسي. السكان حسب الشهادات التي استقتها جريدة "التجديد" يشعرون أنهم في مواجهة المجهول في ظل ما أسموه "سياسة الآذان الصماء" التي تنهجها السلطات في التعاطي مع الوضع. الجمعية المغربية لحقوق الانسان بالحسيمة رصدت حالة القلق التي استبدت بالساكنة طيلة الأسابيع الماضية ووصفت الوضع في بلاغها ب "سيادة جو كئيب يخيم في صمت على ساكنة الريف التي تواجه ببخل سياسي ومادي من طرف الدولة والسلطات العمومية التي عز عليها توزيع الخيام وتقديم المساعدات المعنوية والنفسية، لا سيما للأطفال الذين استبد بهم الخوف والهلع لدرجة أنهم يهرولون من المدارس كلما أحسوا بهزات أرضية ناهيك عما يعانونه في عز الليل تحت أطنان من الإسمنت المسلح". وأضافت أن هذا الوضع يرافقه انتشار إشاعات تزيد في تعميق واقع التهميش، مطالبين الدولة بالتدخل من أجل نشر طمأنة الساكنة. باحثون عن الطمأنينة محمد البصيري رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة إمزورن قال في تصريح لجريدة "التجديد"، إن الوضعية النفسية التي يعيشها ساكنة الريف متردية وينتظرون في أي لحظة تكرار مأساة 2004 ولا يثقون في جاهزية السلطات في التعامل مع تبعات زلزال قوي قد يضرب المنطقة في أي لحظة، حتى المستشفى، يقول البصيري، الذي وعدت السلطات بدء الأشغال فيه بعد زلزال 2004 لم يكن في مستوى توقعات الساكنة فهو لا يتوفر سوى على 33 سريرا فقط كما أن الأشغال متوقفة فيه. ويتساءل الفاعل الجمعوي " ماذا إذا حدث زلزال في المدينة.. أين سيتم استقبال الضحايا من الجرحى والقتلى.. هل يوجد طواقم طبية للتدخل الاستعجالي.. هل ستتكرر مأساة زلزال 2004 عندما سقط في إمزورن أزيد من 150 قتيلا"، يطرح البصيري أسئلته ويمضي يشرح الوضع في المدينة فيقول: "الهزات الأرضية المتكررة أثرت على الحياة العادية فالناس لا يستطيعون النوم وإذا فعلوا ترافقهم الهواجس والمخاوف والتساؤلات إن كانوا سيستفيقون أحياء أم سيدفنون تحت أنقاض منازلهم التي قد تدمرها الهزة القادمة. ويضيف "بعض الناس لم يستطيعوا مغادرة بيوتهم نحو عملهم خوفا من ترك أسرهم وحيدة كما انقطع بعض التلاميذ عن الدراسة إلى حين استجلاء الأمر". مواطنو الريف لا يعاتبون الزلزال فهو كارثة طبيعية وخاصية تعرفها منطقتهم منذ آلاف السنين، لكنهم يطالبون السلطات بالقيام بواجبها وتفعيل إجراءات استباقية يلخصها محمد البصيري في "تهيئة ساحات عامة وتزويدها بالإنارة أو إنشاء مخيمات مجهزة تتوفر على شروط الإقامة من أجل استقبال الساكنة ريثما تهدأ الأمور وتتوقف الهزات الارتدادية". الإجراءات التي قامت بها السلطات تفاعلا مع الوضع في منطقة الريف يتمثل في تعزيز مصالح الوقاية المدنية بقرابة 200 عنصر جديد في إقليمالحسيمة وتزويدهم بمعدات للتدخل كما تم إيفاد عدد من الكلاب المدربة وتوزيع أكياس بلاستيكية لحفظ الجثث على السلطات المحلية، ورغم ذلك تبقى هذه الإجراءات – حسب الفاعلين الجمعوين الذين اتصلت بهم "التجديد"- غير كافية بالنسبة للسكان فهي بحسبهم لا تعنيهم إلا بعد الموت تحت الأنقاض وهم لا يريدون سوى أن يفهموا ما يحصل ومن يمد لهم يد المساعدة لإخراجهم من المخاوف والإشاعات التي تنتشر بينهم كالنار في الهشيم. سكان غادروا بيوتهم لم تخلف الهزات الأرضية على طول الشهرين الماضيين خسائر في الأرواح فباستثناء الجروح التي تعرض لها بعض المواطنين خلال الهزة الرئيسية القوية التي كانت بؤرتها في بحر البوران وبلغت قوتها 6.3 على سلم ريشتر ، ومع ذلك اضطر عدد من السكان إلى مغادرة بيوتهم تحت وقع الخوف الشديد من أن يستفيقوا يوما وهم تحت ركام المنازل المتهدمة، يقول محمد البصيري إن مدينة امزورن شهدت رحيل عدد من السكان بعضهم ممن كانوا يزاولون مهنا مؤقتة في المدينة غادروها في اتجاه مدنهم الأصلية وبعض السكان الآخرين غادروا منازلهم نحو بيوت أقاربهم بعدما ظهرت شقوق وتصدعات فيها، حتى المركب السكني الذي تم بناؤه بعد زلزال 2004 وفق مواصفات خاصة ومضاد للزلزال لم يسلم من الصدوع واضطر ساكنيه إلى مغادرته حتى لا يقع فوق رؤوسهم. وسجل رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان غياب زيارة أي لجنة تقنية لتعطي رأيها في وضعية المباني التي ظهرت فيها الشقوق ولتحديد ما إذا كان يمكن لسكانها العودة إليها أو ترميمها أو إخلائها نهائيا. الدعم النفسي بالإضافة إلى التواصل والإخبار يحتاج ساكنة الريف إلى الدعم النفسي وخاصة الأطفال والمراهقين الذي يعيشون عدم استقرار نفسي، وهو ما ظهر جليا خلال الهزات الأرضية الأخيرة التي تسببت في حالة هلع في صفوف التلاميذ الذين كانوا حينها على مقاعد الدراسة بعيدا عن أسرهم وذويهم ما أدى إلى تسجيل 26 حالة إغماء بإقليميالحسيمة والدريوش، نتيجة الفزع جراء الهزة الأرضية التي تم تسجيلها يوم 16 مارس بعرض سواحل إقليميالحسيمة والناظور. لذلك يرى الفاعل الجمعوي في الريف علي البركة، أن الدعم النفسي للتلاميذ مهم في هذه الظروف خاصة وأنهم يعيشون حالة من الخوف من المجهول، حيث أن ذكرى زلزال 2004 لا زالت ماثلة في أذهان الكثير منهم، ولهذا الغرض برمجت جمعية ألوان للثقافة والفنون بامزورن قافلة استهدفت عددا من المؤسسات التعليمية من أجل خلق جو من المرح والبهجة في صفوف التلاميذ ودعمهم نفسيا وذلك بتنظيم ورشات في المسرح والرسم التشكيلي. وفي هذا الصدد قال علي البركة رئيس الجمعية ليومية "التجديد"، "نذهب إلى المؤسسات التعليمية.. لا نتكلم مباشرة على موضوع الزلزال ولكن نحاول خلق جو من المرح.. لاحظنا في ورشات المسرح في فقرة المسرح الارتجالي أن التلاميذ كانوا يختارون الزلزال موضوعا لفقرتهم الفنية.. ويجسدون مشاهد لكيفية الهرب من الزلزال كانت مناسبة لإبراز مشاعرهم وإظهار ما يخالجهم حول الموضوع ". وفي هذا الإطار زارت القافلة امزورن وجماعة النكور وعددا من الدواوير المجاورة، ويبرز المتحدث أن هذه القافلة لقيت صدى إيجابيا لدى التلاميذ الذين كانوا يعيشون توترا نفسيا وقلقا دائما بسبب الهزات الأرضية المتكررة وبحاجة ماسة إلى الدعم النفسي.