ما أن تنوي السفر إلى المنطقة الشرقية عبر خطوط السكة الحديدية حتى تحس بالفرق بين مقولة: المغرب النافع، والمغرب غير النافع. تكون الحركة عادية إلى أن تصل إلى مدينة فاس، عندما يغير القطار عربة الجر، لتستبدل القاطرة التي تشتغل بالكهرباء بأخرى يكون الديزيل وقودها، على خط سكة وحيد ويتيم، وتبدأ الرتابة، وتدخل زمنا غير الذي كنت فيه في الغرب كما يسميه أهل المنطقة الشرقية. ولتتجه إلى قرية واد الحيمر، أو الواد الأحمر، وواد الرصاص والساتورنيزم، فعليك أن تتمالك أعصابك لقلة من يذهب إلى هذه القرية المنكوبة، وتتسلح بصبر أيوب حتى تمتلئ سيارة الأجرة بركابها الست. واد الحيمر: مزبلة الدول المتقدمة كانت قرية واد الحيمر آمنة مطمئنة تحتسي سم الرصاص في صمت، إلى أن لوحت إدارة المعمل بالحرب ضدّ العمّال الذين ووجهوا بالتوقيف في إطار ما سمّاه المجلس الإداري بإعادة الهيكلة. وحتى يتحقق هدف الإدارة، شرعت في تحسيس جميع العمال بحدوث أزمة مفاجئة، وكانت البداية بالحذف النهائي لمنحة رأس السنة للعمال، والتي تساوي قيمتها أجرة شهر ونصف عن سنة .2003 ثم حرمانهم من منحة عيد الأضحى الأخير بسبب الأزمة المفتعلة، في الوقت الذي لجأت فيه الإدارة إلى استقطاب خبرات من فرنسا للعمل داخل الشركة مقابل أجور خيالية دون مردودية تذكر. ليتفجر نضال القرية في مسيرة احتجاجية تعدادها يفوق 400 مواطنأوقفتهم قوات الدرك والسلطات عند مفترق الطرق المؤدي إلى تويسيت ووجدة في النقطة الكيلومترية .30 قرية واد الحيمر تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة وجدة، على بعد 33 كيلومترا، وهي تابعة لجماعة تيولي، مناخها شبه قاحل، ويقطن بها 4000 نسمة، ومساحتها الإجمالية تقدر بخمس كيلومترات مربعة. ارتبط وجودها أساسا بتأسيس المعمل الموحد لتصفية الرصاص والفضة، وقد بدأ استغلاله في السابق من لدن شركة فرنسية لها عدة فروع، تحمل اسم بنارويا ذخءزدعء منذ ,1945 إلى حدود سنة ,1971 حيث توقف الإنتاج بسبب نقص المادة الأولية التي كان المعمل يزود بها من مناجم تويسيت وبوبكر، غير أن هذه المناجم أغلقت لنفاذ احتياطها، ليصبح المعمل في ما بعد على علاقة مباشرة مع العالم باستيراده لمعادن أولية من الجزائر، وتونس، وبولونيا، والمكسيك وإنجلترا، والبرازيل. وعرف المعمل منذ 1974 عدة إصلاحات، وأصبح يستغل من قبل شركة مسابك زليجة للرصاص لواد الحيمر، وهي شركة مساهمة بين عدة شركات، وكان رأس مالها على الشكل التالي: بنارويا 14 في المائة مناجم تويسيت 20 في المائة زليجة 40 في المائة مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، الذي أصبح اسمه حاليا المكتب الوطني للهيدروكاربونات، 25 في المائة. ويعد هذا المعمل أهم وحدة صناعية في إفريقيا والعالم العربي، ويرتكز نشاط الوحدة في معالجة معدن الرصاص، بهدف إنتاج الرصاص الصافي بنسبة 99,99 في المائة، والفضة المصفاة بنسبة 97,99 في المائة. ونظرا للأهمية الاقتصادية الكبرى لهذا المعمل، فقد تم توسيعه بإضافة فرن لعزل النحاس عن الرصاص، بلغت مصاريفه مليون درهم، وفي سنة ,1979 ورغبة في مضاعفة الإنتاج، وذلك بمعالجة 100 ألف طن من مركز الرصاص مع بداية ,1980 تم اقتناء فرن لصهر الرصاص والنحاس بلغت تكاليفه 5 ملايين درهم. وكان المعمل قبل الأزمة يشغل حوالي 532 عاملا، وأنتج سنة 1998 ما قدره 65174 طنا من الرصاص. بجوار المعمل، وعلى بعد أمتار معدودة كان يتركز حي سكني عشوائي تسكنه أغلبية من غير العاملين بالمعمل، ما تزال أطلاله قائمة لحد الآن. وقبل بضع سنوات كان يوجد بجوار المعمل كذلك من ناحية الجنوب حي سكني آخر ملتصق بسوره، ولم يتم ترحيل هؤلاء وتسكينهم في مساكن جديدة وبعيدة عن المعمل إلا بعد الضجة التي أحدثتها وفاة 35 طفلا في ظرف 19 شهرا، وقد أثبتت التشريحات التي أجريت لبعض الأطفال والشواهد الطبية التي سلمت لهم، أن هذه الوفيات كانت ناتجة فعلا عن إصابتهم على مراحل مختلفة من تكوينهم بالتلوث الناتج عن المعمل، وهو ما اعترف به وزير الصحة آنذاك في أواخر ماي من سنة 1982 بجريدة البيان. يقول النوالي، مندوب العمال: «المعادن المجلوبة للمنطقة كارثية، وليس لدينا حولها دراسة معمقة، وهي نفايات معامل أوربا التي لم ترد أن تنتج هذا المعدن في بلدانها، ورمتها إلى الدول المتخلفة، ويضيف: «كنا قد طالبنا بتقليص سن التقاعد، لأن العاملين لم يعودوا يعمرون طويلا، ولم يعودو يستفيدون من معاشاتهم». الرصاص مبيد الأجنة والحيوانات نظرا لتركيز نشاط المعمل في تصفية الرصاص بالدرجة الأولى، فإن جملة من الأخطار تنجم عن استغلال هذا المعدن وتصفيته، ومن الأمراض التي يتسبب فيها ولها آثار وخيمة على صحة الإنسان (الكلي، الأعصاب، الأمعاء، القلب، الجهاز التناسلي...)، ويعد الرصاص عاملا مسمما بالنسبة لعملية تكوين الدم، إذ إنه كلما وصلت نسبة الرصاص من 10 إلى 15 ميكروغرام في الدسلتر من الدم، تكون عملية تكوين الدم مضطربة، وتعد النساء والأطفال المتضررين أكثر من الرجال في ما يخص إصابة الدم بالرصاص، وحسب تقرير أكاديمية العلوم في الولاياتالمتحدةالأمريكية لسنة ,1980 تظهر أعراض الاضطرابات الكروموزومية في الكريات البيضاء، عندما يصل حد الإصابة بالرصاص 254 غرام في الدستلر من الدم، وتصاب الخلايا التناسلية التي تكون مسؤولة عن الولادات غير العادية، والأطفال الذين يولدون موتى، إذ لوحظ أن نسبة مهمة من الرصاص توجد في مخ الجنين، مقارنة مع الأطفال والكبار. التلوث البيئي أثر على الحيوانات بدورها، يقول ب.ع «ابحث في القرية عن قط، فإنك لن تجده، وإن وجدت حيوانات فهي قليلة». القط الأسود المتواجد في بيت النوالي، الذي استضافنا فيه لم يسلم من لوثة الرصاص، يقول: «إن هذا القط عندما تنتابه نوبة المرض يبدأ في السير بين أركان المنزل ذهابا وإيابا ويتمرغ ويصدر أصواتا تفزع من في البيت». ويقول المقدم الذي جمعتنا سيارة الأجرة به «إن الخرفان عندما تولد لا تقدر على الوقوف، وتزحف على ركبها»، وأغلبها يولد ميتا. الميلود، الملقب بالراشكلو تكييف لغوي مغربي للاسم الفرنسي لآلة نزع المسامير المدقوقة (Larrache - clous)( قضى 11 سنة عاملا مؤقتا، كان يعمل في مرحلة الطحن، يتلقى السموم يوميا، ظل أعزبا لأن العمل المتقطع لم يسمح له بتكوين أسرة، لإعالته عائلة كبيرة. وجدناه يعمل في ورش للبناء بمدينة وجدة بعد الإضراب الشامل والمفتوح الذي يخوضه عمال معامل زليجة للرصاص. وبالإضافة إلى التلوث سابق الذكر، هناك التلوث الذي يصيب الأتربة التي تكون مجالا للعب الأطفال، ثم تلوث الفرشة المائية. في 20 فبراير من سنة ,1986 وجهت نقابة الاتحاد المغربي للشغل رسالة إلى رئيس المجلس الإداري للشركة بالدار البيضاء، بينت فيها أن من العمال ما يعاني من نسبة90 في المائة من العجز. وأن الرصاص يتركز في جسم الإنسان إما عن طريق الاستنشاق، فضلا عن طريق الأكل الملوث والشرب والجلد. كما أن الإصابة تتم عن طريق الخلايا التناسلية بالنسبة للجنين. ويؤكد عمال المعمل أن أرضية المعمل غير المبلطة تفسح المجال أمام تكدس الغبار والرماد على الأرض، الشيء الذي يؤدي إلى استنشاقه بكميات كبيرة، إضافة لما تتلقاه نساء العمال، جراء الغبار الذي يكون عالقا بملابس عمل أزواجهن عند التصبين. الضغط يولد الانفجار: وْصلاَتْ العْظْم التلويح بالتوقيف عن العمل كان ساريا منذ مدة، يقول الجيلالي جيلال، مندوب العمال، ونقابي في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل: «كنا نسمع عن مثل هذه التوقفات من ذي قبل، وكنا نظنها مجرد فقاعات، لكن في الأخير، اتضح أن الكلام الذي قيل جدي، وخرج المدير العام بلائحة تضم 200 عامل، قال إنه يجب تسريحهم». هذا التسريح يرى العابد، الخليفة الرابع لمجلس الجهة الشرقية، أن الإدارة لم تحترم فيه المعايير المتفق عليها، بإرجاعها للمريض للعمل، وطرد صغير السن، وقال «إن اللائحة كانت عبارة عن تصفية حسابات، والإدارة أرادت صفقة معمل بدون عمال، وهو ما أكده النائبان محمد خليدي عن العدالة والتنمية، ومحمد عبيد عن الاتحاد الاشتراكي. وسجل النقابيون والبرلمانيون والعمال التدخل السلبي للسلطة، إذ إن القائد والمقدمين كانوا في 31 ماي الماضي يدقون أبواب المنازل في تويسيت ويبحثون عن العمال، لتكسير نضالهم، معتبرين ذلك استفزازا تقوم به السلطة وإدارة المعمل. وعلى الرغم من ذلك فإن الحوار الذي بدأ يوم 31 ماي الماضي، بعدما دعا إليه مجلس الجهة في اجتماعه الأخير ليوم الاثنين 30 من الشهر نفسه بالناظور، لم يتوقف، «إلا أن إدارة الشركة أبانت عن تعنت كبير، يقول الصفصافي عن الكنفدرالية الديموقراطية للشغل، ففي نهاية اللقاء الذي عقد يوم 31 ماي الماضي، قال مدير الشركة أنا لم آت لأتفاوض»، وهو الشيء نفسه الذي أكده مندوبو العمال، ونقابيوهم، وبلغ الحد بجيلال أن قال: «لا جدوى من الحوار مع شخص ليس بيده سلطة اتخاذ القرار». تعامل مجلس الجهة لم يرق بعض النقابيين، نظرا لتأخيره مناقشة مشكل العمال وإدراجه في جدول الأعمال في النقطة الثامنة أو التاسعة. واستنكروا في الوقت ذاته انسحاب رئيس مجلس الجهة عند وصول النقاش إلى هذه النقطة بالذات. العمال لم تؤد أجورهم لمدة شهرين كاملين. يقول مندوب العمال: «العامل عندما يدخل إلى أبنائه خاوي الوفاض فإنه سيتأزم، ولا ندري ماذا سيفعل، فكثرة الضغط تولد الانفجار، ومع أننا نساهم في استتباب الأمن، ونهدئ من حنق العمال، فإنه سيأتي اليوم الذي لن نستطيع فيه التحكم في مجريات الأمور... فعندما يصل السكين إلى العظم، لن نتحكم في غضب العمال، فربما يهجمون على المعمل، وربما يهجمون على المدير، ولهذا قلنا أمام السلطة، إننا لا نتحمل عواقب ما تقوم به الشركة». ويقول عبد القادر بوطرادة: «الإدارة حسدتنا حتى على السم الذي نتلقاه من المعمل، والحاجة هي التي دفعت السكان للعمل، وليس هناك بديل، الناس إذا قلت لهم ارتموا في النار، فإنهم يلجؤون إليها، فهم في حاجة». أما عبد الرحمان فيرى أن «العمال كان لهم أمل في تحسين وضعيتهم رغم التلوث الذي يعيشون فيه، هذا المعمل لو كان في دولة متقدمة وبعيدا بآلاف الكيلومترات، فإنها لن تسمح بتواجده، ورغم ذلك فحاجة المواطن هي التي تدفعه للقبول بهذا الواقع. الشكيك النعيمي، رجل في عقده الخامس، قضى أزيد من 30 سنة في المعمل، ابتدأ براتب شهري قدره 1800 درهم، والآن لا تتجاوز أجرته 2500 درهم، وعلى الرغم من الزيادة التي تبدو كبيرة، فإن وضعه المادي بقي على ماهو عليه، ونظرا لكونه رب أسرة، فإنه بالكاد يعولها، يقول: «إذا كسوت بنتين في هذه السنة، فالأخريات ينتظرن دورهن في السنة الموالية، وأعاني من مرض السكري، والقلب، والمعدن، وحالة كسر على مستوى القفص الصدري، أتقاضى عنها 390 درهما كل 3 أشهر، ولي بنت تسقط كالمصروعة بفعل المعدن (يعني التسمم بالرصاص) الذي أصابها على مستوى الرأس». رمونا رمي الكلاب النعيمي، أمثاله كثير، فبوطرادة عبد القادر، من مواليد ,1962 دخل إلى العمل سنة ,1985 في مصلحة المختبر، بدأ عاملا ب970 درهما في الشهر، والآن أصبح أجره الشهري 2500 درهم، متزوج، وأب لثلاثة أبناء، وتسكن معه حماته، يقول «والإنسان يصبر على كل شيء، لكن عندما يتعلق الأمر بالتهديد بالجوع فإنه يصل إلى ما لا تحمد عقباه». ويضيف منتفضا: «حقنا سننتزعه في بلادنا، ولن نتخلى عن حقوقنا ولو بقطع الرأس». شعبان علاوي والعامري الجديد مثالان لعمال قضوا أزيد من 26 سنة في العمل ومصيرهم الآن في نفق مظلم، وهما مقتنعان، مثل الكثيرين من زملائهم، أنهم لن يرثوا من هذه المسيرة الطويلة من العمل إلا أمراضا مثل ارتفاع الضغط الدموي والقصور الكلوي والساتورنيزم الأطفال والنساء بدورهم فرض عليهم أن يناضلوا، يتابعون بشغف كبير المستجدات التي يأتي بها المناديب، فالطفل رضى بنعدو، ذو السنوات العشر، لم يعد يأكل كما في السابق، وأبوه لم يعد يجود عليه ببعض الدريهمات كما كان أيام زمان. وأمين ابن طرادي بدوره لم يعد الدكان يعطيه ما يريد جراء تراكم الديون على أبيه لمدة شهرين، كما أن توقيف أبيه عن العمل أثر على مردوده الدراسي. تقول جدته: «لقد غبنونا ورمونا رمي الكلاب»، أما نوال حلفاوي، زوجة بوطرادة، فتقول: «الأطفال لم يعودوا يتناولون نصيبهم من الحليب ومن اللحم، ومصير أبنائنا مهدد بالضياع، ونحن الآن على مفترق طرق مجهول». أما جارتها فلم تعد تنعم بالنوم حسب ما صرحت به. صمتا أيها الأطباء يقول بوطرادة: «كانت هنا بالمستوصف طبيبة تدعى شقرون طالبت بإجراء التحليلات للأطفال، وبحضور ممثلين عن وزارة الصحة، ووجدت أنهم مرضى بالساتورنيزم، وأن ساكنة حي الطوبة القريب من المعمل، يحملون في دمائهم نسبة الرصاص أكثر من الذين يعملون داخل المعمل، وعندما قدمت تقاريرها، قاموا بإبعادها». الإبعاد لم يطل هذه الطبيبة لوحدها، بل يكشف مندوبو العمال أن إدارة الشركة طردت أيضا طبيب الشغل الدكتور يوسف الخطيب، الذي كان يطلع العمال على حقيقة وضعهم الصحي، وقد حاولنا الاتصال به، لكن هاتفه ظل يرن دون رد، بعد أن سبق أن وعدنا بلقاء. يقول جيلال: «إدارتنا الموقرة لا تحترم كرامة العامل، فرغم تأمينها العمال ضد الأمراض المهنية، فإنها تصرح فقط بنسبة قليلة جدا، وتقبر ملفات الباقي، ولو صرحت بجميع العمال لما قبلت أي شركة تأمين التعامل معها، والعامل البسيط عندما يقوم بالفحص الطبي السنوي، فالنتيجة تبقى سرية عند طبيب الشغل، الذي تسيطر عليه الإدارة، وينفذ أوامرها». الأزمة تخلق الوحدة كشف العمال والنقابيون أن المدير المالي للشركة قطع الكهرباء عن بئر كانت تزود الساكنة بالماء. ويعلق بوطرادة قائلا: «إدارة الشركة تريد أن تقطع عنا حتى الهواء الذي نستنشقه، فماء المنطقة غير صالح للشرب، تبعا لتقرير صحي، ونضطر لقطع مسافة خمس كيلومترات لجلب الماء». شخصية المدير، كما يقول النائب محمد عبيد، «مستفزة لعمال المعمل، نظرا لماضيه». ويزيد بوطرادة قائلا: «المدير الحالي سبق وأن كان هنا، فهو تعدى الحدود الله... وسبق أن طرده المدير العام نظرا لوقوع اختلالات... ويبدو أنه عاد بمهمة تسريح العمال، وليقوم بعملية حسابية هي1+ 1 تساوي اثنان، ويذهب إلى حال سبيله، ليكون له نصيبه من العملية». ويضيف العامل بحسرة كبيرة: «السياسة التي يتبعها المدير الحالي، هي سياسة جوعه يتبعك، فقد بدأ بتأخير أداء أجرة الشهر لمدة 15 إلى 20 يوما». وقد خلقت الأزمة التي يشهدها المعمل وحدة عمالية ونقابية، واختفت الحساسيات النقابية، وأصبح الهم هو الدفاع عن مطالب العمال المشروعة، يقول أحد المناديب: «الأزمة خلقت وحدة نقابية، إذ كانت مرحلة الانتخابات تمر بين شد وجذب، لكن سرعان ما تعود المياه إلى مجاريها». صدام اشترى الرصاص من هنا يرجع عبدالرحمان، المحاسب بالشركة الخسارة إلى عاملين: «أولهما أن الشركة لم تستطع تأمين الربح، وثانيهما يرجع إلى عدم ضبطها آليات الإنتاج، فالنفايات كانت نسبة الرصاص فيها تصل في بعض الأحيان إلى 14 في المائة». ولتوضيح العملية أضاف المحاسب: «إذا كان لدينا 100 ألف طن من النفايات، فإن هذه الكمية تتوفر على 14000 طن من الرصاص، وإذا كان ثمن الطن الواحد من الرصاص 5 آلاف درهم، فإن التكلفة تقدر ب70 مليون درهم». يقول جيلال، مندوب العمال: «الشركة تدعي أنها خاسرة، وأن لها عجزا ماليا، وينبغي أن ننظر إلى سبب هذا العجز المالي، إنه سوء التسيير والتدبير من لدن المسؤولين في الإدارة، إذ يتم القيام بدراسات خاسرة من أولها، وتكلف أموالا باهضة، وفي الأخير تنسب إلى العامل البسيط، وخير دليل على ذلك دراسة توسيع المعمل التي قامت بها الشركة وكلفت ملياري سنتيم». ويرجع المسؤولون بالشركة، وبعض العمال أسباب خسارة المعمل إلى السرقة التي تعرضت لها الفضة لتباع في السوق السوداء. وقال عمال، رفضوا الكشف عن أسمائهم، إن الكيلو غرام الواحد كان يباع بثمن بخس وزهيد، وإن بعض العاملين في الإدارة كانوا يشكلون لوبيات ليتستر بعضهم على بعض، وطالبوا بتشكيل لجنة لكشف حقائق السرقة والتلاعبات. كما يتحدث البعض عما عبروا عنه ب»استنزاف المسؤولين السابقين لخيرات المعمل دون حسيب ولا رقيب نظرا للمواقع الهامة التي يحتلونها في هرم السلطة. يقول ل ب الذي سبق أن كان عاملا في المعمل، إن من التقنيات التي يستعملها العمال في السرقة، إلصاق كمية من الرصاص في أسفل الحذاء مبرزا تواطؤ من يوجدون في المراقبة. ويضيف: «رغم تعدد مراحل المراقبة، والكاميرات فإنه يستحيل على العامل الذي يتقاضى الحد الأدنى من الأجور أن يستغني عن السرقة، كما أن فئة غير قليلة من العمال، لم يمر على عملهم أشهر قليلة، حتى اشتروا منازل بمدينة وجدة، وسيارات فاخرة». ويضيف مصطفى أن من أسباب خسارة المعمل «التزوير في المختبر عند القيام بالتحاليل، وغياب المهندس المتخصص، والمدير يسمع من العامل البسيط، ولا يسمع من الذين يفترض أن يسمع منهم». ويرجع عبد الله، الذي استغنى عن العمل في الشركة منذ مدة ليست بالقصيرة سبب الأزمة إلى غياب الإخلاص في العمل، وغياب المحاسبة، فضلا عن النزعة القبلية بين المهاية، وبني يعلى، وبني كيل. ويضيف: «إن زمن الشركة الذهبي ذهب مع عهد صدام الذي كان يشتري كميات هائلة من الرصاص بدون حساب، وأنه كان يؤدي أكثر، لاستعماله في البناء المضاد للصواريخ، والمعدات العسكرية». وما الحل؟ يرى محمد البرودي، الكاتب الجهوي للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وعضو بمجلس الجهة الشرقية، أن الشركة، لا بد أن تستمر في مزاولة عملها،لأن ساكنة الجهة الشرقية، على العموم، وساكنة إقليم جرادة على الخصوص، تحتاج إلى مثل هذه المشاريع، التي توفر لها الاستقرار بالمنطقة، موضحا أن حالة عدم الاستقرار الاجتماعي لهؤلاء العمال، تؤثر على أبنائهم وأسرهم، وتؤثر على المنطقة ككل، التي هي منطقة حساسة جغرافيا واجتماعيا، مذكرا بالآثار السلبية والوخيمة التي خلفها إغلاق مناجم جرادة، وتويسيت، وبوبكر، حيث أصبح إقليم جرادة يشهد هجرة مكثفة، وحتى المستقرون بها، يعيشون مشاكل اجتماعية، تؤثر عليهم. واقترح البرودي أن يكون هناك تضامن وطني مع عمال مناجم جرادة، وتويسيت، وواد الحيمر، واعتبر ما تشهده المنطقة كارثة اجتماعية حلت بالجهة الشرقية، وعلى الخصوص إقليم جرادة. وناشد كل المسؤولين على مستوى هذه الجهة والحكومة بتبني هذا الملف بكل مسؤولية وروح وطنية، وتقديم المساعدات العاجلة، وإن كان ولا بد من تسريح بعض العمال حتى تستمر شركة مسابك زليجة، بواد الحيمر، فلا بد أن تعطى لهم تعويضات مهمة، عند تسريحهم، ولا بد من أعمال أخرى مصاحبة، من قبيل رخص استغلال سيارات الأجرة، والأكشاك، والأولوية في التطبيب، وولوج أبنائهم سلك الوظيفة العمومية، وبطاقة خاصة لعمال المناجم المغلقة، بإقليم جرادة. ويأمل النائب محمد خليدي من جانبه أن تعطى للمنطقة وضعية خاصة باعتبار موقعها الحدودي، تفعيلا لمضامين الخطاب الملكي ليوم 18 مارس الماضي. تحقيق عبد الغني بوضرة