في العشرين من مايو الماضي، كشفت «آلستوم» الفرنسية -إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال البنيات التحتية للطاقة والنقل على متن السكك الحديدية- في مركز الابتكارات الممتازة بمدينة بيلفور شمال فرنسا، أمام الجمهور الفرنسي، النقابَ عن الجيل الثاني من قاطرات الجذب والدفع السريع، بريما رقم2 (2 Prima). لهذه القاطرة قدرة على القيام بخدمات متعددة، شحن ونقل المسافرين، في أكثر من بلد. وكان المغرب، ممثلا في المكتب الوطني للسكك الحديدية، أول من حجز 200 قاطرة من نوع بريما 2، وذلك ابتداء من شهر نوفمبر عام 2007. وحال تسلُّمِها، ابتداء من 2010، ستستعمل هذه القاطرات لتغطية مجموع شبكة النقل السككية في المغرب، في عمليات الشحن ونقل المسافرين. وقد خرجت هذا الأسبوع أول قاطرة مخصصة للمغرب من معامل «بيلفور»، حيث أخضعت لأول تجربة. وتبلغ طاقتها 6400 كيلوات، كما تصل سرعتها إلى 200 كلم في الساعة. ولم يتسرب أي خبر من الطرفين عن الميزانية التي رصدت لاقتناء هذه القاطرات من الجيل الجديد والتي ستطرح لأول مرة في العالم على خطوط السكك الحديدية بالمغرب. لا غرابة أن يكون المغرب «خنزير غينيا»، أو ما يسميه الفرنسيون Cobaye، أي الفأر الذي يجرب عليه اللقاح واللقاح المضاد. كما أنها ليست المرة الأولى التي تحوِّل فيها فرنسا المغربَ إلى حقل تجارب، إذ سبق أن جربت في المغرب ولأول مرة، قبل استعمالها في فرنسا، بطاقة التعريف البيوميتريك وغيرها من الصرَعات التكنولوجية كي لا ينعكس عليها سلبا في عين المكان أي إخفاق محتمل، ويصدق هنا المثل القائل: «تعلموا لحجامة في ريوس ليتامى». كما تتأكد ألألينة، التبعية، والببغائية التي يعاني منها المغرب تجاه فرنسا. إن طرح هذه القاطرات سيخدم، رأسا، المصلحةَ الاقتصادية لفرنسا، وبالتالي صورتَها التكنولوجية تجاه شركائها الأوربيين، الصينيين، الهنود، الذين تعتبرهم شركة «آلستوم» غنيمة اقتصادية سمينة. وفي حقل النقل السككي، تعتبر فرنسا بالكاد البلدَ الذي تضبط الساعات على دقة قطاراته. وتدفع فرنسا بهذه الدقة إلى منتهاها لما تحدد موعد وصول قطار «التي-جي-في» على الساعة الثانية وست دقائق، وهكذا يكون! أما عندنا، «راحنا تانتسناوْ من الصباح في راس العين!». وقد سبق لسائق قطار حط رحاله في سيدي قاسم أن طلب من المسافرين عبر ميكروفون مخرشش: «وا نزلو دفعو التران!». شيء جميل أن يقتني المغرب قاطرات للدفع السريع تصل سرعتها إلى 200 كلم في الساعة، لطي المسافة الرابطة، مثلا، بين مراكش والدار البيضاء في ظرف ساعتين. راك تاتحلم آصحيبي: القطار لا تلخصه القاطرة، بل ثمة عناصر كثيرة ومتكاملة تساهم في توفير قطار بمواصفات علمية: السكة الحديدية وتشكيلتها الهندسية، وزن القاطرات، نقط المراقبة التي يجب أن تراجع كي تخضع لمقاييس جديدة، حتى لا يعجن القطار لبكر ولماعز وبنادم، وزيد وزيد. لربما تصور المسؤولون عن المكتب الوطني للسكك الحديدية، خطأ، أن اقتناء قاطرات من جيل جديد سيحل مشكل النقل على متن التران. إن أسطول السكك الحديدية المغربي، الذي يرجع تاريخه إلى عام العود، يحتاج بالكاد إلى مراجعة شمولية لضمان الراحة وليس التخمم للمسافرين، لتوفير خدمات لائقة من نظافة، استقبال، توجيه وتأطير، حتى تعكس الأثمنة والزيادات مستوى الخدمات، إخبار المسافرين، وتعويض بطاقة السفر في حالة تأخر القطار بساعة كما هو معمول به في فرنسا. ثم هناك مسألة أساسية ألا وهي تخلص المسؤولين من عقلية: زيدو في الأثمنة وإلى ما عجبهم حال يركبو على حمار! وإن علمنا بأن ثمن المائتي قاطرة قد يناهز المليار أورو، فإننا نفهم بالخف أن المواطن العادي هو من سيؤدي فاتورة قاطرات الدفع السريع من الطراز الرفيع، والتي ستجر من ورائها مقصورات تنعدم فيها أدنى شروط التكييف (عباد الله مكيفين خليقة) والراحة. ها التوافق الهجين بين العتيق والحديث، حتى لا نقول الأصالة والمعاصرة؛ وهو ما يُكنّى عنه في العرف الدارج ب«زد لعكر على لخنونة» التي تميز السلوكات والتصرفات في العديد من المرافق والمجالات عندنا. في انتظار أن يصل الجيل الثاني من قاطرات بريما العام القادم وفي انتظار أن يصل «التي-جي- في» ما بين عامي 2030 و2035، لربط شمال المغرب بجنوبه، هناك حيز لا بأس به من الوقت، سيستنزف فيه المكتب الوطني للسكك الحديدية، لصالح شركة «آلستوم» الفرنسية، الجيوب المثقوبة للغالبية العظمى من المسافرين.