شجارات بين التلاميذ أمام المؤسسات التعليمية بسبب الإدمان تجار السموم البيضاء يهزمون وزارة التربية الوطنية في مدينة مراكش العريقة، يجد تجار المخدرات الفرصة سانحة في مدارس ثانوية وإعدادية لتسريب بضاعة مسمومة بواسطة عملاء من التلاميذ أنفسهم، ويتم ذلك في غفلة من الآباء والأولياء والمربين، وفي كثير من الأحيان بتساهل غريب مع هذه الظاهرة الفتاكة، وعبر طرق جهنمية للوصول إلى أكبر شريحة من الممدرسين لا يهمهم في ذلك غير جمع المال، سواء كان ذلك من فقير أو غني، فتى أو فتاة... ولا يشغلهم سوى فتح الباب على مصراعيه أمام ممارسات لاأخلاقية شاذة تختلط فيها الأساليب الكريهة للعب بالعقول وتخريبها، وممارسات قبيحة تنتهك فيها الأعراض وتنهش فيها الأجساد. شباب مدمن... تشير الساعة إلى السادسة إلا ربع تقريبا من مساء منتصف الأسبوع، وفي جهة متوارية عن الأنظار في حي راق، عدد لا بأس به من التلاميذ والتلميذات يقفون على باب مؤسسة تربوية، يتجاذبون أطراف الحديث، بعضهم في وضعيات مخلة بالآداب العامة، والبعض الآخر غارس وجهه في كتاب أو دفتر، في الجهة الأخرى شاب يعزف على فيتارة معزوفة غربية، يتبعه عدد من التلاميذ بالتصفيق في مرح وهرج، فجأة تنشب مشاجرة عنيفة بين فتاتين، لكم وركل ونتف شعر وكلام قبيح، تلاميذ بعضهم بوزرة بيضاء!! وقليل من المارة تجمعوا حول المتعاركتين لفك الارتباط، يجذب المرء فضول غريب لمعرفة ما يجري، فالفتاة المعتدية تصرخ بهستيريا واضحة، وتكاد تمزق ثيابها من على جسدها، ويحسب الناظر إليها أنها سيغمى عليها، يفهم المرء من البعض أن الأمر يتعلق بشجار حول المخدرات، أو بالأحرى بلفة سيجارة محشوة بمخدر، أو ما يعرف بجوان، حينها تدخل أحد الشبان واعدا الفتاة وبصوت مسموع بتوفير ما تحتاج منمسكنات لأن لديه من السنابل الممتازة ما يكفي لسد حاجياتها من الدواء. مثل هذه الحادثة وأخطر منها، يقول أحد التلاميذ، تحدث بين يوم وآخر بباب المؤسسة، وسبب ذلك هو تعاطي عدد من التلاميذ والتلميذات للمخدرات، والفتاة معروفة أنها مدمنة. اغتصاب داخل قاعة الدرس حادثة أخرى لكن هذه المرة ليست بباب المؤسسة التربوية، ولكن داخل فصل من فصول إحدى الثانويات التاريخية، كانت ضحيتها كذلك فتاة، ليس بسبب إدمانها، ولكن بسبب إدمان صديقها تعاطي المخدرات. فقد سمع دوي صوتها من إحدى قاعات الدرس، وهي تستنجد بصوت مرتفع، كان اليوم سبتا والمدرسة تحولت إلى ما يشبه المقبرة بسبب قلة الحركة فيها وكثرة المتعاطين للمخدرات سرا، من حسن حظها أن أستاذة كانت في حصة ذلك المساء، وحين سمعتها هرولت إلى مكان الصوت لتجد ما لم تكن تتوقع أن يحدث داخل قاعة في مدرسة، تلميذ يحاول اغتصاب الفتاة بسبب تأثير المخدرات على عقله، عرف على الشاب أنه من المدمنين على تناول المخدرات، حين علمت الإدارة بالحادث لم تفعل شيئا، سوى حث الأستاذة الغاضبة على غض الطرف عن هذا الحادث البسيط، لأن المسؤولين في نهاية السنة الدراسية ولا يريدون أية مشاكل!!! قادنا الأمر إلى البحث عن العلاقة بين التعاطي للمخدرات وحوادث الاعتداء الجسدي والجنسي، وما اكتشفناه كان أكبر من تخيلاتنا، والغريب أن المدمن من التلاميذ على المخدرات يعرف أن مصيره الموت أو السجن، ولا يتعظ بما يحدث لرفقائه، ففي الأمس القريب قادت الشرطة أحد الوسطاء وحوكم بخمس سنوات سجنا، لكن إغراء المال والشهرة ومتعة غياب العقل تجعل المدمن الهارب من جحيم مشاكل أسرية أو فراغ قاتل يؤجل النظر في مصيره المحتوم . الرجولة القاتلة... ويبقى السؤال لماذا يقذف الإنسان بنفسه إلى عالم موبوء مثل هذا مع ما فيه من مخاطر على العقل والجسد؟كثير ممن تحدثنا إليهم اعترفوا أن إيهام المراهق بأنه يمر بمرحلة حاسمة لإبراز ذاته ورجولته وجسارته (الدسارة)، وانسداد الأفق أو الفراغ القاتل وعدم وجود بدائل ثقافية وإبداعية داخل المؤسسة، كل ذلك يكون هو السبب في التعاطي لهذه المواد المضرة. يقول أحد المستجوبين إن «التدخين كذلك هو سبب البلاء لأنه أصبح أمرا عاديا في مجتمعنا وإلا كيف يسمع لأستاذ يدخن السجائر أمام التلاميذ، وآخر تداعب أنامله السبسي أمام أطفال مازالوا في فترة عدم التمييز بين الطيب والخبيث ، ويبحثون عن القدوة، وإن كان ذلك في أستاذ متهور أو أب غير مبال أو صديق مدمن. لكن كيف يصل تجار المخدرات إلى هذه الفئة من التلاميذ في الشارع بل وداخل فصولهم، يعقب أحدهم قائلا إن ذلك يتم بواسطة عملاء من التلاميذ أنفسهم، فهم قادرون على قلب المفاهيم في أذهان الشباب، نظرا لتقارب السن والميول، وبعيدا عن أية توعية من لدن الأساتذة وفي غفلة من الموجهين والمربين والآباء. شبكات الإدمان ويؤكد مستجوَب أن الدخول إلى عالم الإدمان يتم عبر مخطط مدروس، فالتلاميذ العملاء يتاجرون في المخدرات داخل المؤسسة، بل تجدهم يذهبون إلى مؤسسات قريبة يزودون تلاميذ آخرين بزاد الذهاب إلى رحلة اللاعودة من الإدمان، ويصلون إلى ضحاياهم عبر شلة من الأصدقاء في قاعات الدرس أو حتى في الشارع العام أو في قاعات الألعاب التي تنتشر بكثرة قرب المدارس (بدون ترخيص بلدي). قبل ذلك يتم تصيد الضحايا عبر إقامة حفلات راقصة بالنهار تشبه الليالي الراقصة المقامة في العلب الليلية. وحين يكون الجو مشحونا، والأعصاب مشدودة إلى مزيد من المتعة الزائفة، تلعب الشياطين الآدمية لعبتها وتوسوس للرواد الجدد، ويصبح أخذ أول جرعة من المخدرات كمن يأخذ جرعة ماء، وهنا تفتح حلقة أخرى في شبكة منظمة تربح الكثير، خاصة مع الاحتياج الدائم لزيادة الجرعة كلما اعتاد الجسم على نوعية المخدر. طرائق أخرى كشف عنها بعض التلاميذ حين قال «إن العملاء يتصيدون زبناءهم في مقاهي الأنترنت، حيث يسهل الدخول إلى مواقع إباحية، وأخرى تشجع على تناول المخدرات»، ومن أغرب ما ذكر أحدهم أن هناك مواقع غربية تبين فوائد المخدرات وتضغط من أجل عدم تجريم متناولي المخدرات، مشيرة أن هذا السم هو أقل خطرا من التدخين نفسه ومن الكحول الذي يتداول بحرية مطلقة، ومن ثم فالكثير من تجار المخدرات يضغطون بهذه الورقة، مشيرين للمدمنين أن ذلك من مصلحتهم، ويبحثون عن تشكيل قوة ضغط في الانتخابات، ويتم ذلك بصرف النظر عن أي اعتبار خلقي أو ديني أو عقلي. استهداف الأطفال... لكن هل يكتفي هؤلاء العملاء المشتغلون بالمدارس الثانوية بإدخال أقرانهم فقط لعالم المخدرات؟ الجواب لا، فالتقارير والإحصاءات، التي تؤكدها الملاحظة العينية، تبين أن هذه التجارة القبيحة انتقلت بسرعة كبيرة من المدارس الثانوية إلى المدارس الإعدادية، حيث أشارت دراسة ميدانية لإحدى الوداديات السكنية أن عدد المدمنين على المخدرات في المدينة بين التلاميذ آخذ في الازدياد، لا سيما بين الفتيات اللواتي أصبح بعضهن يبدأن في تعاطيها في سن الثانية عشرة أو أقل، ويعني ذلك أنهن بنات المدارس الإعدادية، ووافق ذلك ما أشار إليه تقرير دولي مقدم إلى المؤتمر الذي عقده المجلس الدولي حول مشكلات الإدمان على الكحول والمخدرات، حيث أصبح سن الجرعة الأولى من المخدرات يتراجع كل عام لينتقل من 18 إلى 14 عاما، بل إلى 12 عاما أو أقل في أحيان كثيرة، وأكد التقرير أن عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات سرا يتزايد في الدول التي تعاني أصلا من المشكلة. والشيء المفزع أن تجار المخدرات يعملون بطرق متشابهة في كثير من الأحيان لا تجد لهم أثرا غير ما يخلفونه من خسائر، بحيث يعملون بعيدا عن الضحايا، مكرسين أفكارهم الجهنمية بأن الشباب والأطفال هم أول الوقود للترويج والاتجار بالمخدرات، وقود الخطر المتربص بالاغتصاب والموت تحت تأثير فقدان العقل والوعي، الدليل على ذلك الانحرافات المترتبة وقصص الألم التي تملأ بيوتا اكتوت بالنار ولم تعرف كيف تستعيد ابنا كان في يوم أملا وفرحة. مسؤولية من؟ لكن أين دور المربين والموجهين؟ وأين الأسرة والمدرسة والأخصائيون الاجتماعيون والنفسيون؟ أين مؤسسات الزجر؟ أين الإعلام الموجه؟ أين صناعة التثقيف والصحة والتنوير؟ أين وأين...؟؟ يقول أحد الأساتذة: «نعيش تجربة فريدة هنا بمدينة مراكش بإحدى الثانويات، حيث مظاهر تعاطي المخدرات قليلة جدا. فكلما كان المربون من أساتذة وإداريين، ومن التلاميذ أنفسهم، جادين في محاربة الظاهرة وملء الفراغ بأنشطة تربوية هادفة، كلما فوتوا على تجار المخدرات الفرصة لتخريب عقول الأبناء، والإلقاء بهم في دهاليز الموت البطيء، لكن، يضيف هذا الأستاذ بنبرة حزينة، ما أتكلم عنه حالة شاذة في المدينة، لأنه في أغلب الثانويات يغض المسؤولون الطرف عن هذه الظاهرة، وإلا كيف نفسر امتناع أحد المديرين عن الترخيص لمحاضرة لشاب حول انتشار المخدرات في مؤسسته، وكيف نفسر عدم اتخاذ أية إجراءات زجرية في حق التلميذ الذي حاول اغتصاب زميلته داخل قاعة من قاعات الدرس». ويستمر متأسفا: «حين تسمع أسماء المؤسسات التربوية المدانة بهذه الآفة الخطيرة لا يقفز إلى ذهنك هؤلاء المشاهير والأعلام من أئمة وقضاة وملوك وعباقرة، الذين اقترنت أسماؤهم بهذه المؤسسات، بقدر ما يصبح اسم من هؤلاء يرسم في ذهنك صور الخلاعة والميوعة في أبواب المدارس، نتيجة استفحال تعاطي المخدرات وتنامي شبكات الدعارة». صرخة كثير ما هم، وحين وضعنا الأيدي على جرحهم وقلبنا المواجع، صرخوا بأعلى الأصوات: ألم يحن الوقت لمكافحة المخدرات في المدارس وفي كافة مراحل الدراسة بالوقاية أولا والتي تشكل عنصرا أساسا، خاصة في ظل نشاط متنام لتجار المخدرات يستهدف الشبان، ومع تراخي رقابة مراكز القوة الاجتماعية كالأهل والموجهين. ضممنا صوتنا إلى أصواتهم، ونقترح الإنفاق على وصلات إشهارية موجهة مثل تلك التي أنجزت في مكافحة اغتصاب الأطفال، وإنشاء مرصد وطني لمحاربة المخدرات، كل ذلك من أجل إحكام إغلاق الحواجز القانونية والاجتماعية نحو المخدرات، بحيث يصبح الغرض هو كبح جماح أعداد كبيرة من الشباب في تعاطيهم المخدرات، وإعادة الاعتبار للقيم الاجتماعية، يؤكد أن وصمة عار تعاطي المخدرات لن تمحى إلا بعزيمة جماعية تحاصر السموم وتخنقها وتنقذ أجيالنا المقبلة من براثن الموت البطيء. عبد الغني بلوطَ