بكثير من الشماتة الممتزجة ببعض الدهشة طالعت صورة أحمد الجلبي وقد هشمتها البساطير الثقيلة لأسياده الذين جاءوا به محمولا على ظهر دبابة ومزنرا بكثير من الأمنيات التي دغدغته بأن يكون الرجل الأول في العراق، وهو الذي حمل على ظهره تاريخا أسود من الدسائس والخيانة لوطنه، ومعه سيرة مالية مدججة بالفساد والصفقات المشبوهة. هذا الرجل هو من أفتى وحثّ أسياده على أن يلغوا في المستنقع العراقي بحجة وجود الأسلحة الكيماوية. أما الدهشة التي ارتسمت على وجهي وجعلتني أفغر فاهي، فمردها أنني توقعت أن تطأه البساطير السوداء بعد أن يستتب الأمر لذئب الروكي، ليمارس عادته مع كل الذين لا مبادئ لهم، ولا يملكون الحد الأدنى من الولاء لأوطانهم وشعوبهم ويستمرئون الانحياز الى كتيبة أعداء الأمة. هي سنّة من سنن التاريخ أيها السادة، تحكي أن أمثال هؤلاء يلفظهم أسيادهم حالما يستتب لهم الأمر، فيما يقبعون في ركن مهمل من التاريخ كمرتزقة وشمت على جباههم مفردة(خونة) ، وعلى مؤخراتهم وسم المحتل، وقد سملت عيونهم قبلها بيع المبادئ والوطن. للتاريخ قصصه وعبره ، لكن هؤلاء لا يقرؤون. هل أذكركم بقصة نابليون القائد الفرنسي الشهير، عندما طلب إليه أحدالجلبيات الإذن باللقاء ليقبض ثمن خيانته بعد أن قاد الفرنسيين الى بلده ومكنهم من احتلاله، وهنا لم يكن من نابليون سوى الرفض، فيما أمر مساعديه بإعطائه العمولة الوضيعة، بعد أن أطلق مقولته التي خلدها التاريخ في حق هؤلاء العملاء، ومفادها أن هذا الرجل ليس سوى خائن لوطنه ولا يشرفني أن ألطخ يدي بمصافحة خائن. هل أسرد للسادة من خزين التاريخ المتراكم أسماء لأشباه لهم سبقوهم الى ذات الطريق القذر، قائمة طويلة لا تنتهي، ابتداء من شاه ايران الذي هام على وجهه بعد أن رفعوا يدهم وتخلوا عنه، فبات (الشاهنشاه) لا يجد حتى مأوى يلوذ إليه مع عائلته، مروراً بالجنرال نورييغا، وليس انتهاء بأنطوان لحد الذي يتسوّل الحياة في جحيم العزلة في الدولة العبرية. هذا مصيركم أيها السادة يا من هفت قلوبكم لوعود الذئب الذي زرع أنيابه في خاصرتنا الشمالية وقد أشغله الشرفاء والأحرار في الفلوجة والنجف وأعلموه ما لم يكن يعلم وأروه صورة العربي الحرّ المتسلح بإيمانه كيف هو وماذا يمكن له أن يفعل. خذوا العبرة أيها السادة، من هذا الاستطلاع الذي أجرته (فرانس برنس) على عراقيين استشرفت آراؤهم حول مداهمة المحتل لمنزل الجلبي، فقد أجابوا بأنه (عميل فاسد يستحق ما جرى) و( أمريكا جاءت به وهي من تخلت عنه)، إلى غير ذلك من العبارات التي تعلن حقيقة واحدة لكل الجلبيات المزروعين في مجتمعاتنا العربية بان مكانكم في الضمير العربي ما قرأتم، ومصيركم مع الذئب الذي لا يؤتمن هو إطار مشروخ كإطار الجلبي، لكنه مختلف هذه المرة، إذ يتخلله دم أحمر فاسد أو سائل أصفر للسيد المحتل. اللهم لا شماتة. عبد العزيز محمد قاسم إعلامي سعودي مدير تحرير جريدة المدينة-الرياض