تبدو ثورة السيد أحمد الجلبي "البطولية" ضد الاحتلال واحدة من عناوين الملهاة العراقية التي لن تتوقف فصولها قريباً حسب معظم التقديرات، فهذا الرجل الذي جاء محمياً من القوات الأمريكية وعلى ظهر دبابتها، وبصحبة بضع مئات من العساكر المدربين من قبل خبرائها والذين يقبضون من خزينة السي آي ايه، هذا الرجل تحول خلال الأيام الأخيرة بقدرة قادر إلى مدافع شرس عن حق العراقيين في السيادة الكاملة والحقيقية على بلادهم بعيداً عن وصاية الاحتلال. ما جرى أول أمس من مداهمة لبيت الرجل ومكتبه كان مثيراً، لكنه كان عادياً من زاوية أنه يأتي بعد أسابيع من الشد والجذب بينه وبين سادته الأمريكان حول ملفات بعينها؛ بعضها معلوم وبعضها الآخر مجهول. في سياق المجهول يتحدث الكثيرون عن صفقات مشبوهة كان الرجل يديرها لحساب جهات نافذة في البنتاغون وبعض الدوائر الأمريكية، وبالطبع تنطوي تلك الصفقات على الكثير من الروائح الفاسدة التي تزكم الأنوف، فيما هي تثير حسد آخرين داخل تلك الإدارة المزدحمة بتجار النفط والسلاح والمقاولات. هناك أحاديث أخرى عن ضيق سادة الجلبي به، بعدما ثبت لديهم أنه مارس الكثير من التضليل بحقهم في سياق أسلحة الدمار الشامل، إضافة إلى كل ما يتصل بموقف الشيعة من الاحتلال، أما الأهم من ذلك كله فهو نفوذه في الدوائر العراقية الداخلية، حيث ثبت لهم أنه مجرد رقم هامشي لا وزن له من دون الأتباع الذي جندوهم له بالمال، والمال وحده.. في سياق المعلوم من أزمة الجلبي مع سادته وأولياء نعمته، تبرز مسألة إعادة البعثيين إلى السلطة التي يحملها كقضية محورية يسعى من خلالها إلى التقرب من الشارع الشيعي على أسس طائفية واضحة. والحال أن هذا الملف كان ولا يزال برسم التضخيم لاعتبارات الشعبية الرخيصة ليس إلا، ذلك أن ما جرى حتى الآن لا يعدو الاستعانة ببعض الضباط الذين يطلق عليهم جزافاً لقب بعثيين، فيما هم أناس عاديون كان من الطبيعي أن يكونوا أعضاء في حزب البعث حتى يتقلدوا بعض المناصب الرفيعة. وهؤلاء لم يعادوا إلى المواقع إياها شغفاً بهم وإنما طمعاً في قيامهم ببعض المهمات التي عجز الاحتلال عن القيام بها، حتى وهو يتعاون مع أمثال أحمد الجلبي. من المؤكد أن الجلبي لا يبدو معنياً بهذا الملف إلا من زاوية الشعبية التي يعتقد أن بإمكانه حصدها بالتركيز على وجود الشيعة في أجهزة الشرطة والجيش مقابل وجود بعض البعثيين، على رغم أنه يدرك تماماً أن الرؤوس الكبيرة في البعث من المتورطين بمواقف ضد العراقيين ليسو موجودين في البلد وإنما غادروها مبكراً أو اعتقلوا من قبل الاحتلال. هذه المحاولة المستميتة من قبل الجلبي لاستبدال حضن الاحتلال بالفضاء الشيعي المساند لا تبدو واردة النجاح، لأن للشيعة رموزهم ورجالهم الشرفاء الذين يغنونهم عن التشبث بأمثال الجلبي من أجل المطالبة بحقوقهم في الحكم والمؤسسات، فضلاً عن المطالبة بتحقيق السيادة لبلادهم، وإلا فهل هم بلا ذاكرة إلى هذا الحد حتى ينسوا ذلك المسلسل الطويل من التصريحات التي أطلقها الرجل بحق الاحتلال وبقائه الطبيعي الطويل في البلاد؟! قصة الجلبي في جوهرها تبقى عبرة ودرساً لكل العملاء والمرتزقة الذين ما يلبث المحتل أن يلفظهم عندما تنتهي صلاحيتهم، فكيف حين يكتشف أنهم مارسوا بحقه بعض التضليل، مع أننا ندرك أنه كان تضليلاً من النوع المستحب لتبرير الحرب المعدة في أروقة المحافظين الجدد منذ سنوات. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني