من الصعب القول إن ما جرى خلال يوم أمس وأول أمس في مدينة الصدر في بغداد يعد إشارة كافية على أن تيار السيد مقتدى الصدر قد انحاز إلى برنامج المقاومة ضد قوات الإحتلال الأمريكي، ذلك أن مجمل التصريحات التي وردت حتى الآن من مسؤولين في التيار المذكور لا تشير إلى شيء كهذا. أما الأهم فهو أن القوى النافذة في سياق تحديد حركة التيار الشيعي لن تسمح بسهولة بتطور من هذا النوع. ربما قيل إن ثمة تيارات شيعية قد انحازت إلى خيار المقاومة، أقله من خلال الخطاب الإعلامي والسياسي كما هو حال مجموعة السيد جواد الخالصي والسيد أحمد الحسني البغدادي لكن ذلك يبدو مختلفاً في حال تيار الصدر الذي سيعني انحيازه لبرنامج المقاومة تحولاً أساسياً، ليس في التيار الشيعي فحسب، بل وفي مجمل المشهد العراقي برمته، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث من دون توافق بين العناصر الأساسية في ذلك التيار، والتي تقف ايران على رأسها. ونعني هنا تيار المحافظين الذي يتحرك بقوة داخل المشهد العراقي من خلال الاستخبارات وحرس الثورة وجيوش من الرجال الذين دخلوا الأراضي العراقية بصيغ شتى. صحيح أن السيد مقتدى الصدر لا يتلقى أوامره من ايران مباشرة كما هو حال آخرين في الساحة الشعية، لكن ذلك لا يعني أن بإمكانه اتخاذ قرار التحول في نمط التعامل مع الاحتلال منفرداً، نظراً لكون قرار كهذا سيؤثر إلى حد كبير على الساحة برمتها. إلى ايران هناك الذين يتحركون داخل الساحة الشيعية بقوة، أكان انسجاماً مع التوجهات الايرانية وطبيعة صفقاتها أو تفاهماتها مع الأمريكيين، أم للحسابات الخاصة التي تميل إلى نمط التعامل السلمي مع الاحتلال لقناعاتها بإنه الأجدى في سياق الحصول على المكاسب السياسية. ويقف على رأس هؤلاء مجموعة القادمين على ظهر الدبابة الأمريكية، أكان من المجلس الأعلى أو بعض قادة حزب الدعوة، إضافة إلى الأتباع المعلنين من نمط أحمد الجلبي. وإذا أضفنا إلى هؤلاء جميعاً السيد السيستاني الذي يشكل قاسماً مشتركاً بين التوجهات الايرانية وبين هذه المجموعات جميعاً فإن موقف السيد مقتدى يبدو صعباً في حال قرر الخروج عن الخط العام منفرداً. بالمقابل يدرك الرجل أن فرصته في أن يكون رقماً مهماً في الساحة الشيعية والعراقية عموماً لن يمر إلا من خلال نموذج حسن نصرالله في لبنان، أي نموذج الزعيم المقاتل والسياسي في آن، سيما وأن فرصته في مزاحمة مجموعة المراجع بلغة التراتبية الدينية ليست متاحة، فخلف السيستاني هناك عدد من المراجع الذين لا يرون أن بإمكان مقتدى لا في المدى القريب ولا حتى المتوسط أن يجد له موطىء قدم بين المراجع الكبار. من الصعب في ضوء ذلك كله الجزم بخيارات الرجل خلال المرحلة القادمة، لكن ما جرى حتى الآن يظل مفيداً للساحة الشيعية حتى لو توقف عند هذه النقطة، فهو أعطى للأمريكان فكرة واقعية عما يمكن أن يحدث إذا قررت الكتلة الشيعية الإنقلاب على برنامجها السلمي، سيما وقد جاءت الأحداث بعد أسابيع على اندلاع الخلاف حول الدستور الانتقالي الذي تحفظ قادة الشيعة وعلى رأسهم السيستاني على عدد من بنوده. قصارى القول هو أن ما جرى كان في شقه الأساسي تأكيداً على أن مأزق الاحتلال في العراق لا حل له على الاطلاق، لأنه واقع بكل بساطة بين مطرقة المقاومة وسندان الشيعة ومطالبهم التي لا تنسجم مع مصالحه، ما يعني أن مشروع اليمين الأمريكي في العراق في طريقه إلى الفشل المحتوم، الأمر الذي سيلقي بظلاله على قوة ونفوذ هذه الامبراطورية الأكثر جشعاً وامبريالية في التاريخ. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني