خلال الشهور الماضية، وتحديداً منذ اندلاع المقاومة العراقية في وجه الغزاة سادت في بعض الأوساط السياسية والشعبية أحاديث التناقض بين السنة والشيعة، ليس في العراق فحسب، وإنما في العالم العربي والإسلامي عموماً. من الضروري القول ابتداءً أن كون الشيعة غالبية في العراق أو أكثر من النصف حسب تقديرهم، فإن ذلك لا يغير من حقيقة أنهم يشكلون الأقلية بين عموم المسلمون الذين يدين أكثر من 85% منهم بمذهب أهل السنة، لكن ذلك لم يؤد إلى مواقف سلبية تذكر بالنسبة للمجموع، لأن من العبث وضع ممارسات النظام العراقي السابق بحق الشيعة ضمن الممارسة الطائفية، لأنها لم تكن كذلك بحال من الأحوال، فالمعارض في عرف النظام كان هو العدو، أكان سنياً أم شيعياً أم كردياً. إن المواقف الحدية في الطرف السني تجاه الشيعة ليست هي الغالبة، بل إن أصوات التكفير بحقهم هي ذاتها المتشددة مع السنة أنفسهم. أما الجانب الآخر للصورة فهو أن التشدد حيال السنة لا زال يتوفر في الوسط الشيعي أيضاً. وإذا قيل إن الشيعة مهمّشون في السعودية مثلا،ً فإن الأمر ينطبق على السنة في إيران، لأن المسألة في شقها الأساسي سياسية وليست دينية أو مذهبية؟ لقد انحاز المسلمون من أهل السنة إلى الإمام الخميني في ثورته ضد الظلم ولم يلتفتوا كثيراً إلى تفاصيل مواقفه المذهبية التي يرفضون بعضها، سيما ما يتصل بالصحابة الكرام، كما انحازوا بشكل لافت إلى السيد حسن نصر الله من دون طرح سؤال المذهب. وقد تذكرنا ذلك كله خلال الأيام الماضية عندما غدا السيد مقتدى الصدر رمزاً إسلامياً بمجرد قوله (لا) للاحتلال الأمريكي وشروعه في المساهمة في تيار المقاومة. من المؤكد أن استمرار السيد مقتدى في نهج التصدي للاحتلال سيكرسه رمزاً إسلامياً. تماماً كما كان حال السيد نصر الله في لبنان. أما إذا عاد إلى مربع الآخرين في حكاية المقاومة السلمية فإن الموقف سيختلف، الأمر الذي ينطبق على حلفاء الاحتلال من السنة والأكراد الذي هم سنة أيضاً. لقد كان نهج الأمة دائماً هو التركيز على منهجية التعامل مع أعدائها أكثر من أي شيء آخر، بما في تفاصيل المواقف المذهبية، بل إنها كثيراً ما انحازت إلى أشخاص خلافيين من زوايا أخرى حين انسجموا مع بوصلتها في أولوية التصدي للتحديات الخارجية التي تستهدف الأمة. قصارى القول هو أن ما جرى خلال الأيام الماضية في العراق كان رائعاً لجهة التأكيد على أن خيار التصدي للاحتلال هو الأقدر على بناء وحدة العراقيين. أما خيار التعاون مع الاحتلال فسيفرقهم شذر مذر الأمر الذي يفسح المجال للاحتلال كي يتحكم بمصيرهم ويرسم صورة مستقبلهم. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني