كثيرة هي الآثار التي تركتها وستتركها معركة الفلوجة على مجريات الصراع في العراق بين قوات الاحتلال والمقاومة العراقية، وبالتالي على مستقبل المشروع الأمريكي في العراق. من الضروري القول ابتداءً أن التسوية التي جرى التوصل إليها لا تعني تراجعاً من طرف المقاومة عن برنامجها لحساب أهداف جزئية تتمثل في فك الحصار عن المدينة، ذلك أن برنامج المقاومة سيبقى مستمراً طوال الوقت وبشتى الأشكال وفي مختلف المناطق، بما فيها مدينة الفلوجة نفسها. ومن العبث الحديث عن خروج المقاومين إلى خارج المدينة، لأن أهلها لن يقبلوا ذلك حتى لو وافقوا على تسوية مرحلية بسبب الحصار الاستثنائي. المقاومة ليست جيشاً، وهي من دون حاضنتها الشعبية لا تساوي شيئاً. وهنا يمكن بكل بساطة القول إن الفضاء العربي السني قد غدا حاضناً للمقاومة من دون تحفظ، وإذا ما انسحب ذلك على بعض المناطق الشيعية فسيغدو الوضع مثالياً إلى حد كبير. من هنا يمكن القول إن ما جرى قد فرض المقاومة لاعباً رئيسياً يخطب الجميع وده، أكان من الاحتلال نفسه أم أعضاء مجلس الحكم الذي تحدثوا عن المقاومة بمنطق الاحترام وعن المدينة بوصفها المدينة البطلة، وهو الوصف الذي لم تنله إلا ببطولات أبنائها في مواجهة الغزاة وليس شيئاً آخر. ما جرى كان هزيمة معنوية للاحتلال، وتلك أولى بركات المعركة. أما الجانب الذي لا يقل أهمية فيتمثل في إنجاز المعركة على الصعيد الإعلامي حيث تمكنت من كسر حصار دام ما يقرب من العام على فعاليات المقاومة، الأمر الذي ينطبق على انتهاكات حقوق الإنسان الكثيرة التي مارستها قوات الاحتلال بحق المدنيين العراقيين. لقد جاءت المعركة لتفضح ذلك كله، ولتفرض المقاومة نفسها على وسائل الإعلام العربية والأجنبية، بما فيها الأمريكية نفسها، الأمر الذي سيترك آثاره المهمة على مسار المعركة على مختلف المستويات. على الصعيد السياسي يمكن القول إن المقاومة قد فرضت صوتها، وإلا فمع من كان يتحدث الوسطاء، فضلاً عن تكريسها لهيئة علماء المسلمين بوصفها الهيئة التي تشكل مرجعاً أساسياً يحترمها المقاومون، ويشعرون أنها الناطق باسمهم بشكل من الأشكال. لم تعد بيانات المقاومة وتهديداتها ضرباً من العبث أو ردود الأفعال أو أشواق استعادة النظام السابق أو تصفية حسابات من قبل مقاتلين أجانب مع الولاياتالمتحدة، بل هي مقاومة عراقية الوجه واليد واللسان، تدافع عن وطنها وتسعى لإعادته حراً سيداً من دون أي شكل من أشكال الوصاية للمحتلين. من بركات معركة الفلوجة أنها أعادت العراق إلى الواجهة عربياً وإسلامياً بوصفه العراق الذي يقاوم الاحتلال، وليس العراق الخاضع للاحتلال، والمسافة ولا شك شاسعة بين العبارتين، أكان بالنسبية للعرب والمسلمين أم بالنسبة للمحتلين وأذنابهم والمراهنين على نجاح مشروعهم في العراق. خلال الأيام الماضية تابعنا حالة الإحباط التي سادت الأوساط الصهيونية من جراء ما جرى في العراق، وفي ذلك ما فيه من تأكيد على أن المعركة تسير في الاتجاه الصحيح. فتحية للفلوجة وأهلها وأبطالها، ولكل من يقاوم المحتلين في أرض الرافدين.