تحدث يونس مجاهد،الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، في هذا الحوار عن مظاهر معاناة الحريات الصحافية في المغرب، وطبيعة الإجراءات التي يجب اتخاذها لتحسين الوضعية. وأكد في هذا السياق على ضرورة توحد الجميع لأجل الدفاع عن حقوق الصحافيين، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المؤتمر الحالي للنقابة سيكون مؤتمرا نوعيا سيأتي بالجديد. وفي ما يلي نص الحوار: تحدث التقرير الأخير الذي أصدرته النقابة الوطنية للصحافة المغربية عن وضعية صعبة تعيشها حرية الصحافة في المغرب. ماهي العوامل المباشرة وغير المباشرة التي ساهمت في إنتاج هذه الوضعية؟ حتى نستطيع استيعاب التوازنات التي تتحكم في المشهد الصحافي عموما، أعتقد أولا أنه لابد من الإشارة إلى أن هناك شكلين مختلفين لطروحات الدولة بخصوص الأوضاع العامة في المغرب: أولهما الرغبة في الإصلاح، وتلبية مطالب مختلف الهيئات السياسية والجمعوية بضرورة الانفتاح وتمكينها من آليات العمل على مستوى الواقع سواء تعلق الأمر بالإطار القانوني أو المادي، وهذا طرح يتبناه الكثير من المسؤولين. أما الأمر الثاني فهو على النقيض تماما من ذلك، ويتعلق الأمر هنا ببعض القوى التي تفضل الجذب والجر إلى الوراء عوض التقدم إلى الأمام. والمشهد الصحافي لا يشذ عن هذه القاعدة ويتضح هذا جليا من خلال تتبع المسار العام للصحافة الوطنية. فخلال الفترة الماضية مثلا، ناضل البعض من أجل تعديل قانون الصحافة لإصلاح المشهد الصحافي الوطني، ومحاصرة التجاوزات التي كانت تقع عادة في هذا المجال، وتمكين الصحافيين من آليات عمل قانونية تكفل لهم أداء مهمتهم في أحسن الظروف. وفعلا حدث هذا، وتم تعديل قانون الصحافة، لمحاصرة ما كان يسميها البعض بالانزلاقات والتجاوزات، ولكن تطبيق هذا القانون إلى جوانب قوانين أخرى أدى إلى كارثة كبيرة ميزت عام 2003 بشكل خاص، والتي سميناها في التقرير محطات سوداء في تاريخ الصحافة الوطنية، لأننا رأينا كيف اعتقل وتوبع كثير من الصحافيين بدعاوى متعددة.. وبغض النظر عن تفاصيل ملفات هؤلاء الصحافيين، فأعتقد أن المنهجية التي استعملت في هذا السياق كانت منهجية خاطئة.. وهذا لا يعني أننا ضد احترام القانون، بل بالعكس، فنحن ندعو إلى احترامه وتطبيقه بحزم وعلى الجميع، ولكن نحن ننتقد خلط الأشياء ببعضها لدرجة تصبح فيها كل الأمور غامضة، وهذا الغموض نفسه الذي ساد عام 2003 ، وهو من أعطى الانطباع بأن هناك حملة منظمة تستهدف الصحافيين، لدرجة أننا يمكن أن نصف هذه السنة بسنة الكارثة بالنسبة لحرية الصحافة في هذا الوطن، وهذا ما أبرزه التقرير بوضوح. وما هي التدابير التي اتخذتها النقابة لتجاوز مرحلة الكارثة التي تحدثت عنها؟ أنا أعتقد أن المسؤوليات تقع على الصحافيين أنفسهم بالدرجة الأولى، لأن الصحافيين يعلمون أن كثيرين ينتظرون سقوط البعض في أخطاء لينقضوا عليهم وعلى غيرهم تحت شتى الذرائع والمبررات. وهنا أؤكد على ضرورة التزام الجميع بأخلاقيات المهنة التي تشكل الإطار العام لأدائنا وعملنا على الساحة، لتفويت الفرصة على هؤلاء، ولإعطاء مصداقية أكبر للصحافة، وتحسين صورتها لدى الناس بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية. وأستغل هذه الفرصة هنا لأنوه بالعمل الجيد الذي يقوم به أغلب الصحافيين الذين يؤدون رسالتهم النبيلة بكل تفان وإخلاص، عكس قلة قليلة منهم لا تحترم أخلاقيات المهنة، ولا تقيم اعتبارا لضوابط العمل الصحافي. ومع الأسف فهذه القلة تحاول خلق رجة في المجتمع، وعلينا نحن الصحافيين توحيد الجهود لمواجهتها حتى لا نسمح لجهات أخرى باستغلال ما تفعله للانقضاض على المشهد الصحافي ككل. ارتباطا بالمشهد الصحافي، هناك من يتحدث عن نوع من التشتت يميز المشهد النقابي بعد ظهور هيئات متنوعة تعمل في هذا المجال، كيف ترون ذلك؟ ما يروج عن التشتت داخل المشهد النقابي الصحافي الوطني هو مجرد إشاعات يتلقفها الناس ويتداولونها حتى يصدقون أنها حقيقة ترى للعيان في آخر المطاف. وبإمكاني أن أؤكد أنه ليس هناك أي شيء اسمه تشتت داخل المشهد النقابي الصحافي الوطني. فنحن مثلا وصلنا إلى الرقم ألف من المنخرطين، وهذا شيء مهم يدل على نسبة التنقيب syndicalisation المرتفعة في المغرب مقارنة بدول العالم المختلفة.. وحتى الصحافيين غير المنخرطين معنا، هم يحسون في عمق أنفسهم بانتمائهم إلينا، ولذلك حينما يواجهون بعض المشاكل يأتون إلينا كي ندافع عنهم. إن التشتت مصطلح لا وجود له، وهو من المصطلحات التي يجب إجراء بحث وتقص حولها لتسليط الضوء عليها وكشف خباياها. وماذا تقول عن تأسيس بعض الهيئات النقابية الأخرى، ومن ضمنها فيدرالية الصحافيين المغاربة وفيدرالية الناشرين؟ بالنسبة لفدرالية الناشرين، فهذا مشروع كنا من المشجعين على تأسيسه لأننا كنا نود أن نجد مخاطبا واحدا بالنسبة للناشرين، ونحن نعتبر أن تأسيس فيدرالية للناشرين يعتبر من أهم التطورات التي عرفها المشهد الصحافي ببلادنا، أما في ما يتعلق بالمحاولات الأخرى لتكوين نقابات، والتي تتجاوز الأربع محاولات، فالكل يعلم أنها بقيت حبرا على ورق، ولا يرى لها في الوقت الحاضر أي أثر على الساحة. في ما يرتبط بالمؤتمر الحالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، كيف تقيمون الوضع الداخلي داخل هذه المؤسسة؟ نحن نتمنى ونأمل ونعمل على أن يكون هذا المؤتمر محطة استراتيجية في عمل هذه النقابة، لأن المؤتمر الرابع كان مؤتمر الانفصال المباشر والنهائي عن الناشرين، وكان هاجسنا الأول أن ننفصل عن الناشرين، ونواجه مصيرنا باعتبارنا صحافيين أولا وأخيرا. وأعتقد أننا نجحنا إلى حد كبير في هذا الرهان، ولهذا نعتبر أن النقابة قد بلغت من النضج ما يمكنها من تحقيق قفزة نوعية مماثلة. ولكن يتحدث البعض عن خلافات عميقة يمكن أن تتفجر في شكل خلافات داخل هذا المؤتمر؟ أعتبر أن الخلاف موجود في كل المنظمات والهيئات وهذا أمر طبيعي، ولدى النقابة من الآليات ما يمكنها من تدبير الخلاف بالشكل المطلوب.. إذا انتقلنا الآن ملف الأسرى العراقيين، لوحظ غياب تام لأي تحرك من طرف منظمات المجتمع المدني المغربية ضد هذه العنجهية الأمريكية، بما فيها النقابة الوطنية، كيف تفسرون هذا الأمر، وما هي المبادرات التي يمكن أن تقوموا بها لمواجهة هذه التطورات؟ أؤكد لك أن ما حدث في العراق بخصوص الأسرى هو أمر خطير وخطير جدا، ونحن في النقابة لا نعتبر أن المبادرات التي سنقوم بها للجواب على فظاعة الجرائم المرتكبة، فالأمر يحتاج إلى وقفة حقيقية وإلى مبادرة تخاطب المسؤولين والهيئات على مستويات عليا، لأن ما حدث يفوق كل تصور. وأنا أؤكد أن الجامعة العربية والأمم المتحدة، اللتين أثبتتا لحد الآن أنهما في غالب الأحيان مؤسسات صورية ليس إلا، هما الآن يواجهان مسؤولية تاريخية في الوقوف ضد هذه الجرائم البشعة، لأن هذه الجرائم هي جرائم ضد القانون الدولي وضد الإنسانية جمعاء، وهوما يفرض مواجهتها بقوة لتفادي تكرارها. وأنا أظن أن جميع مكونات المجتمع من أحزاب سياسية وجمعيات وتنظيمات نقابية ملزمون بعقد عدة اجتماعات، وإجراء نقاشات جدية للخروج باستراتيجية واضحة لمساندة العراق وفلسطين ضد الإهانات والجرائم اليومية التي تجري في هذين البلدين. ونحن، في النقابة الوطنية، سننسق مع هيئات متنوعة في هذا الشأن، ولكن ليس للخروج ببلاغ إدانة واستنكار فقط، بل سنسعى إلى القيام بحملة حقيقية، نستغل فيها كل الوسائل من وقفات وتوزيع منشورات، ومراسلات ومظاهرات، للتنديد بهذا الطغيان الأمريكي، لأن التعذيب فاق كل تصور، وعليه فمن الضروري أن يكون رد الفعل منسجما مع بشاعة الفعل. بصفة إجمالية، كيف تتصورون مستقبل حرية الصحافة في المغرب، وما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به النقابة في هذا السياق؟ أعتقد أن مستقبل الصحافة رهين بموقف الصحافيين أنفسهم، ومدى نضجهم، ووعيهم بضرورة التوحد للدفاع عن مصالحهم. ونحن في النقابة واعون بهذا التحدي، ومن هذا المنطلق كان موقفنا واضحا من التعديلات التي جاء بها قانون الصحافة، ومن الاعتقالات التي طالت الصحافيين، ومن التجاوزات التي حصلت. والأهم بالنسبة لنا هو خلق جسد صحافي سليم ومعافى، بإمكانه استغلال جميع الآليات المناسبة لتجاوز تحديات المرحلة، وتقديم نفسه بصفته قوة اقتراحية تفاوضية مع مختلف مكونات المجتمع السياسي، وهذا ما نظن أننا استطعنا الذهاب فيه بعيدا. حاوره: أحمد حموش تنويه: أجري هذا الحوار قبل إعادة انتخاب يونس مجاهد كاتبا عاما للنقابة.