"أيها المطلق، أيتها المطلقة، اسمعوا وعوا، لا تجعلوا أبناءكم سلاحا ضد مطلقكم، صراعكم بينكم أنتم كأزواج، لا تحشروا فيه أبناءكم" هذا الخطاب يتمنى كل طفل أن يوجهه لوالديه عندما يقرران قطع صلة الرحم بينه وبين أصوله بعد الطلاق. فعندما تنفصم الرابطة الزوجية لسبب أو لآخر يبقى المصير النفسي والاجتماعي للأبناء (في حالة وجودهم) رهينا بالطريقة التي يدبر بها الآباء علاقتهم بهؤلاء الأبناء "الأبرياء" وخصوصا الأمهات اللواتي أعطي لهن حق الحضانة بعد الطلاق بدرجة أولى، فإذا لجأن إلى استعمال الأبناء سلاحا ضد آبائهم فإن النتيجة ستكون وخيمة وستأخذ القضية مجرى آخر قد يصل فيه الأب إلى القضاء، وقد ينصفه القضاء لينقلب هو الآخر متعنتا وبالتالي يصبح الأبناء، حسب وصف المساعد الاجتماعي بقسم قضاء الأسرة بالرباط مثل المسدس الذي يملؤه كل من الأب والأم برصاصه من أجل تسديده صوب طليقه انتقاما منه. بين ثنايا هذه السطور نتناول "قطع صلة رحم الأبناء بعد الطلاق" تشخيصا وبحثا عن سبل للعلاج، وفي ما يلي التفاصيل: عنف فإبعاد على مدى أكثر من ساعتين، تحكي (ن. آ) عن معاناتها مع طليقها وتتخلل كل فترة من فترات حكيها دموع تذرف من عينيها تدل على إحباطها وفشلها في تحقيق ما كانت تصبو إليه كما كل فتاة، تعترف أنها منعت ابنتها عن أبيها، مستدلة على ذلك بكونها تعرضت للعنف من طليقها، وتبرر عملها بأنها لا تأمن على ابنتها من أب عنيف مع زوجته لا يحترم كرامتها وهي التي اختارته رغم أنه تقدم لخطبتها من هم أحسن منه. أما صديقتها التي كانت بجانبها فلا توافقها الرأي، معلنة أن الصراع بين الزوجين شيء والعلاقة مع البنت شيء آخر، كما أن الخلافات عادية بين الزوجين، ولا يجب إقحام الأبناء فيها، كما أن الأم عوض أن تستعمل ابنتها سلاحا ضد زوجها وتوسيع الهوة بينهما، كان يمكن استثمار وجود البنت لتقريب المسافة، فما دام يسأل عن ابنته، فهناك رابط يجب فقط تقويته ويتم تجاوز الخلاف. وبإصرار الزوجة على الإبعاد، أقدم الزوج على دعوى الطلاق، كما أقدمت الزوجة على دعوى النفقة، فتشتت الأسرة بفعل منع صلة الرحم، هنا لا ينفع الندم، بل يبقى تدبير مرحلة ما بعد الطلاق بشيء من التعقل لأن حدث الطلاق ما يزال جديدا والبنت التي لم يتجاوز عمرها بعد سبع سنوات تحتاج إلى بصيرة من الأبوين حتى تنمو نموا نفسيا سليما. 3 سنوات أحكام محمد حبيب مساعد اجتماعي بقسم قضاء الاسرة بالرباط، أكد ل "جريدة التجديد" أن أقسام قضاء الأسرة تستقبل حالات تتعلق بموضوع صلة الرحم بعد الطلاق. وأشار إلى أن الخطأ الذي يقوم به بعض الآباء هو أنهم بعد فشلهم في استمرار حياتهم الزوجية يستعملون أبناءهم كمسدسات يملؤون بها رصاصاتهم ليوجهها كل واحد من الطليقين نحو الآخر، في حين أن الطفل بعيد كل البعد عن الصراع بين شخصين استحالت استمراريتهما في عش الزوجية لسبب أو لآخر. ومن الحالات التي ذكرها المساعد الاجتماعي حالة لأب قضى 3 سنوات بين المحاكم من أجل رؤية ابنه الذي أصبح عمره تسع سنوات، ورغم أن الزوج انتصر ابتدائيا واستئنافيا وبحكم النقض والإبرام إلا أنه بقي ممنوعا من رؤية ابنه، إلا أنه مؤخرا تم التدخل بشكل ودي وأصبح الزوج يتمتع برؤية ابنه كل أسبوع. وأشار حبيب إلى أن عدة مشاكل تتعلق بصلة الرحم كانت وراء اقتراح توفير قاعة لصلة الرحم بأقسام قضاء الأسرة وفعلا تم ذلك، في المقر الجديد بالرباط، وتم التدخل والزوج الآن يتمتع برؤية ابنه كل أربعاء بفضاء المحكمة بعد أن حرم منه مدة طويلة. ولا يمكن الحديث عن امتناع الزوجة عن تمكين زوجها من رؤية ابنه دون إثارة الانتباه لأسباب ذلك، وفي هذا الصدد أكد حبيب أن الزوجة بفعل المعاناة التي كانت تعانيها أثناء الزواج أو الطلاق تلجأ للانتقام عن طريق منع الأب من أبنائه، مؤكدا أن إحدى الحالات التي تابعها قسم قضاء الأسرة بالرباط تتعلق بامرأة كان يعنفها زوجها أثناء فترة الزواج مما جعلها بعد الطلاق تمتنع كليا عن تمكينه من رؤية فلذة كبده. ودور المساعد الاجتماعي هو إفهام الزوجين أنه مهما بلغت حدة الصراع بينهما فلا ينبغي إقحام الأطفال في الصراع وحرمانهم من صلة الرحم لأنهم لا يد لهم في ما وقع بين الوالدين، ومن أجل نمو نفسي واجتماعي سليم يجب أن ينعموا برؤية أهلهم والتواصل معهم. قاعة الصلة في قسم قضاء الأسرة الجديد بالرباط، خصصت قاعة استضافة لصلة الرحم، جدرانها المزينة بزينة طفولية، وفضاؤها الذي توجد به ألعاب خاصة بالأطفال يجعل جو صلة الرحم تختلف كليا عن الأجواء التي يراها الطفل وهو يلتقي أباه في مراكز الشرطة وكأن أحدهما جانيا يستحق السجن أو العقوبة، عن أهمية الفضاء نفسيا ومعنويا تحدث عضو من قسم قضاء الأسرة بالرباط للتجديد، قائلا: "إن لقاء الابن بوالده في مراكز الشرطة لا يوحي له بالأمان، لذلك تم توفير قاعة خاصة بقسم قضاء الأسرة بخصوصيتها من أجل تحسيس الطفل بالأمان" مضيفا أنه كان الأجدر توفير صلة الرحم للأبناء بوالديهم وذويهم بشكل ودي بعيدا حتى عن أجواء المحاكم، ودون إقحام الأطفال في مشاكل الوالدين. عزيزة شبلي أستاذة التربية الأسرية بالدار البيضاء قالت ل "جريدة التجديد" في موضوع تدبير شؤون الأبناء بعد الطلاق: إن الطلاق واقع يجب تقبله وتفهمه، فالطلاق ليس نهاية الحياة، ومن تم يجب التفكير في ما بعد الطلاق من شؤون الأبناء، وذكرت تجربة لامرأة لم يكتب لها الاستمرار مع زوجها في عش الزوجية إلا أنهما اتفقا على حسن تدبير أمور أبنائهما الثلاثة حتى يتمكنوا من حسن متابعة دراستهم وحياتهم دون مشاكل نفسية هم في غنى عنها، وفعلا تم ذلك مع العلم أن الزوج يقطن بالمدينة نفسها التي تقطن بها الزوجة، وتؤكد شلبي أن على المرأة أن تعود أبناءها على الارتباط بأبيهم (زوجها الأول) وعلى الزوج المطلق رغم إقباله على الزواج الثاني أن لا ينسى أبناءه من الزواج الأول وتوفير الاحتضان النفسي لأبنائه بمعزل عن مشاكله الاجتماعية مع أمهم. حسن التدبير ترى إيمان لعوينة رئيسة جمعية "المستقبل للأسرة والشباب"٬ بالنواصر أن حسن تدبير مرحلة ما بعد الطلاق يقي الأطفال من اللاتوازن، وأكدت في تصريح ل "جريدة التجديد" أن: "الأمور المهمة التي يجب أن يتدخل فيها الوسيط الأسري لتدبير مرحلة ما بعد الطلاق هي حضانة الأطفال، لأنهم المشترك الحقيقي الخاضع للديمومة بينهما فلو تفرقا على مستوى العشرة الشخصية فإن المعروف الذي تفرقا عليه سابقا سييسر لهما تدبير هذا المشترك، وعلى رأس قائمته هذا الرأسمال البشري الذي هو الأطفال. ومما لا شك فيه أن كلا الأبوين لهما دور مهم في التنشئة الاجتماعية النفسية السليمة لأطفالهما… لكن إذا شاءت الأقدار أن يفترقا فمن الأفضل أن يبقى الأطفال عند الأم في المرحلة العمرية ما قبل سن العاشرة … على أن ترتب زيارات دائمة من الأفضل أن تكون يوميا ولو على مستوى إيصال الأطفال إلى البيت ما بعد المدرسة ، أو أخذهم للنادي الرياضي والجلوس معهم بعد انتهاء الفصل الدراسي….، المهم أن يكون حضور الأب يوميا في حياة الأطفال إلا إذا كان يعيش بعيدا عنهم.. فلا بد له من ترتيب زيارات متواصلة لهم من حين لآخر. أما ما بعد سن العاشرة فمن الأفضل تخيير الأبناء وإن كنت أرى أن الحضانة يجب أن تنتقل وجوبا للأب بالنسبة للأطفال الذكور وتبقى للأم بالنسبة للإناث لأن الاحتياجات النفسية هنا تكبر مع إقبال الأطفال على دخول مرحلة المراهقة، وبالتالي هذه المرحلة العمرية الحرجة عند الأبناء تحتاج إلى كثير من المصاحبة والمواكبة. كل من الأبوين عليه أن يرفع إيقاع تواجده في حياة أبنائه حسب المتطلبات النفسية والجسدية للأطفال". شعاع نور بالرغم من أن بعض النساء يلجأن إلى حرمان طلقائهن من رؤية أبنائهم انتقاما منهم، فإن البعض الآخر ينجحن في التمييز بين العلاقة الزوجية والعلاقة الوالدية، من هؤلاء النساء زوجة انتهت علاقتها الزوجية وهي أم لبنت عمرها أربع سنوات، عادت بها إلى المغرب من ديار المهجر، لكنها قررت وأسرتها أن لا تحرم بنتها من حنان والدها وأقربائه حتى تنشأ البنت سليمة نفسيا، وفعلا كلما حلت عائلة الزوج التي تقيم بديار المهجر أو التي بالمغرب، يذهب عم البنت عند أهل الطليقة التي أخذت كل مستحقاتها، محملا بالهدايا وفي زيارة ودية كأن شنآنا لم يقع بين الأسرتين وتعد الأم ابنتها للسفر مع عمها لرؤية أبيها وجدتها وأعمامها، وقد تستمر مدة مرافقة البنت إلى عشرين يوما أو أكثر تسافر معهم وتعاملهم معاملة عادية حتى اعتادوا على ذلك، ولا يمر صيف دون أن تقوم البنت بالزيارة حتى بلغ عمرها الآن أكثر من عشرين سنة دون مشاكل رغم أن أباها تزوج وأنجب إخوة آخرين، تعرفت عليهم الفتاة وتربطهم بها علاقة جيدة. تحكي خالة الطفلة ل "جريدة التجديد" أن نباهة الأم كانت في صالح بنتها لأنها تربت على حب الجميع: والدتها ووالدها وأقرباء والديها، ورغم أنها سافرت أخيرا إلى الديار الإيطالية رفقة خالتها، فإنها ما تزال على اتصال بأسرة والدها، وخلال العطل تزورهم وتحضر مناسباتهم دون أدنى مشكل. (س. ن) أم مطلقة ببنت عمرها الآن 16 سنة، عبرت ل "جريدة التجديد" عن ندمها على طلب الطلاق واصفة نفسها أنها كانت طائشة حينها ولم يتجاوز عمر ابنتها آنذاك سنة واحدة، إلا أنها تحاول تصحيح الخطإ عبر تمكين ابنتها من صلة الرحم مع أبيها وعائلته، ولم تخف أنها في السنة الماضية، أقدمت على خطوة لم تستطعها من قبل وهي أنها ذهبت إلى بيت طليقها رفقة ابنتها لرؤية إخوتها لأبيها، كما رافقتها إلى مدينة أخرى لترى عماتها، معلنة في كل مناسبة أنها نادمة على الطلاق، وفي الوقت ذاته تريد لابنتها أن تتعرف إلى عائلة أبيها، لأنها هي لا ذنب لها في ما وقع، وما كان من الطليق وعائلته إلا تقبل البنت واحتضانها إلى درجة أن والدها آواها بداية السنة الدراسية الحالية معلنا هو وزوجته الثانية استعدادهما لأن تعيش معهما ومع أخويها لوالدها، خصوصا وأنها في مرحلة حرجة من العمر تحتاج إلى حنان والدها ومرافقته حتى تستكمل مشوارها الدراسي بسلام. هاتان الحالتان تبرزان قوة الأم حين تتجاوز الحسابات الشخصية إلى التفكير في مآل أبنائها وتوازنهم النفسي والاجتماعي، مما يجعلها في منأى عن المحاكم من أجل أداء واجب أقره الشرع قبل القانون، وأوجبته المصلحة العليا للطفل حتى ينمو في جو بعيد عن البغضاء والشحناء.