لن تتناول في هذا المقام الجدال الذي أثير حول الإجهاض في المغرب، فهو الموضوع الذي أسال الكثير من المداد، ونظمت بشأنه عدة أنشطة وعرف عدة نقاشات. لكن مربط الفرس هنا حالات لأشخاص نجوا من الإجهاض لسبب أو لآخر وبعد أن كانوا سيحرمون من رؤية الدنيا أصبحوا أحد نجومها يضيؤون جانبا من جوانبها بمهنهم أو عطائهم في تخصص من التخصصات، أو على الأقل ينعمون بالحياة بعد أن كانوا سيكتبون في عداد المحرومين منها. من الحالات طبيب يتمتع بكفاءة مهنية عالية ويقدم خدمات جليلة للمجتمع، ويرجع السبب في نجاته إلى تدخل أحد أقاربه والذي وعد بالتكفل به حين علم أن والدته ستتخلص منه بسبب كثرة إخوته، فيما طالبة جامعية كان الحرج من أختها الكبرى سيحرمها من الحياة لولا تدخل طبيبة أثنت الأم عن الإقدام على قتل نفس بريئة، وتوأم كان سيعد في خبر "كان" بسبب تفكير الأم في الانتحار بعد الحمل من علاقة غير شرعية وتهرب الشاب من المسؤولية بعد إشباع رغبته الجنسية. حالات "الناجين من الإجهاض" مناسبة للتأمل في جسامة المسؤولية أمام الحق في الحياة التي لا يأبه لها البعض. وفي ما يلي التفاصيل: نجوم النجومية تصنع بالكفاح والجهد الجهيد، والنجوم ينالون حب الجمهور لعطائهم في ميدانهم، ولكن ماذا إذا علم الجمهور أن هؤلاء النجوم نجوا من الإجهاض ونالوا حظهم من الحياة بعد أن كانوا سيكونون في عداد المحرومين منها وهم أجنة في بطون أمهاتهم تنبض حياتهم بينما يأتي من يريد أن يضع حدا لنبضها. الدكتورة حنان الإدريسي ممثلة "تنسيقية الدفاع عن حق الجنين في الحياة" التي تتكون من عدة جمعيات مهتمة بالموضوع، أكدت في تصريح ل "يومية التجديد" أن عددا من النجوم المشهورين في عالم الرياضة وغيرها نجوا من الإجهاض وأصبحوا نجوما لامعة في تخصصاتهم وذكرت بعضا منهم. وأدلت الدكتورة عائشة فضلي أخصائية أمراض النساء والتوليد وذات خبرة تفوق ثلاثين سنة في الميدان بشهادة تهم عدة حالات نجت من الإجهاض لسبب أو لآخر وكان مستقبل الناجين من الإجهاض مشرقا، مشيرة إلى أن أغلب الحالات هي أطر داخل المجتمع، أولها طبيب مغربي من خيرة الأطباء خلقا وكفاءة مهنية، وتتلخص قصته في كون والدته لما حملت به كانت ترغب في الإجهاض بسبب كثرة أبنائها، ولكن الطبيب الذي قصدته من أجل الإجهاض لم يتسرع وطلب منها أخذ فترة كافية من الوقت للحسم القرار، لكن إرادة الله جعلت الأمور تسير في الاتجاه المعاكس للرغبة في القضاء على الجنين، إذ علم أحد أفراد العائلة بالأمر فتدخل وطلب من الأم أن تحتفظ بحملها مقابل أن تسلمه الطفل بعد ولادته وقبلت الأمر. حصل أن أنجبت الأم وهي من عائلة كبيرة وأخذ الرجل ابنها ورباه أحسن تربية، إلى أن أصبح طبيبا متميزا، والجميل في القصة تقول الدكتورة أن هذا الطبيب يعرف القصة من خلال تداولها داخل عائلته وهو من خيرة الأطباء ولولا تدخل هذا القريب لكان هذا الإطار المهم سيكون موضوع إجهاض لسبب غير موضوعي. توأم من الحالات التي عايشتها الدكتورة حنان الإدريسي حالة حديثة العهد، ويتعلق الأمر بتوأم أنثيين كانتا ستحرمان من رؤية نور الدنيا لولا تدخل هذه الدكتورة. وقالت الإدريسي في حديث ل "يومية التجديد": "أخبرتني مساعدتي أن إحدى المساعدات تعرفها، كانت ستقدم على الانتحار لأنها علمت أنها حامل من علاقة غير شرعية من أحد الشباب وخافت أن يعلم أهلها في القرية بالخبر، فما كان مني إلا أن طلبت من مساعدتي أن تستدعي صديقتها إلى بيتي، فبادرت الأخيرة بالحوار والمصاحبة النفسية حتى عدلت عن فكرة الانتحار أولا، وطمأنتها أنها ستلد في ظروف جيدة وهناك من سيتكفل بالمولود، مع العلم أنني لم أخبرها أنها حامل بتوأم بعد مرافقتها عند الطبيبة الاختصاصية التي علمت من خلال التصوير بالأشعة أن في أحشائها توأم لأنثيين". وأضافت الإدريسي: "استمر الحمل مع المراقبة الطبية والمصاحبة النفسية إلى أن حان وقت الوضع، وفعلا تمت الولادة في مصحة وفي ظروف جيدة، وجاءت سيدة من مدينة الجديدة وأقدمت على الخطوات القانونية المتعلقة بمسطرة الكفالة وصاحبت المولودتين اللتين تنعمان الآن في ظروف جيدة وبلغ عمرهما 8 أشهر". وعلقت الدكتورة حنان الإدريسي على الحالات التي تلجأ إلى الإجهاض أن هذا الأخير في غالب الأحيان يكون نتيجة الغريزة الجنسية التي يجب الاحتراز في التعامل معها واحترام قواعدها، مشيرة إلى أن الإجهاض يبقى قتلا لنفس بريئة وهو جريمة في حق البراءة. هذا إضافة إلى عواقب صحية خطيرة تتعرض لها المرأة التي تقدم على الإجهاض. طالبة من الحالات التي كانت ترغب في الإجهاض وقصدت الدكتورة عائشة فضلي موظفة محترمة، ولم يكن من أعذارها إلا أن لها طفلين ولا ترغب في ولادة الثالث خصوصا أن الطفلين كبرا شيئا ما ولم يتقبلوا أن تحمل أمهما وخاصة البنت، لكن الدكتورة أقنعت الأم بالإحجام عن الإجهاض لكون العذر لا يقوى إلا السبب القاهر، وكانت هذه المرأة قصدت أحد الأطباء وطلب منها الإجهاض واكتفاءها بطفلين، إلا أن القدر شاء أن تحتفظ هذه المرأة بجنينها الذي هو الآن طالبة جامعية تتمتع بصحة جيدة وتتابع حياتها بشكل عادي، إلا أنها لا تعلم بقصة نجاتها من الإجهاض. فتاة أخرى تجاوزت العشرين من العمر وتنعم بحياة هانئة في كنف والديها، لم يكفها شرفا أنها تنعم بالحياة في ظل أسرة توفر لها معظم احتياجاتها فقط وإنما ترى أن حياتها لها طعم خاص لأنها كانت ستكون ضحية إجهاض. واعتبرت الفتاة حياتها قصة يقين وثقة وحب وتحد.. ودرس حياة .. كما رأت في وجودها ورعاية الله لها حكمة، كما أن كل مخلوق على وجه الأرض وجد لحكمة يجب أن يسعى لاكتشافها، كما جاء في تدوينة لها. لائحة طويلة ليست الحالات المذكورة فقط هي ما تحتفظ به ذاكرة الطبيبة عائشة فضلي مما سردت، وهي رئيسة الجمعية المغربية للحق في الحياة، وإنما أكدت في حديثها ل "يومية التجديد" أن هناك عدة أجنة كانت ستحرم من رؤية نور الدنيا إلا أن قرارا سليما اتخذ وتمت الولادة إلا أن الطبيبة لم تتبع مستقبل كل الحالات. واستدعت فضلي مثالا آخر يتعلق بحالة ذكرها لها أحد الأطباء الذي وقف أيضا في وجه إجهاض، إذ كان الأمر يتعلق بإحدى الأمهات التي كانت لها ثلاث بنات ولما حملت الحمل الرابع طلب منها زوجها التخلص من الجنين إلا أن هذا الطبيب رفض الإجهاض وأقنعها بذلك، ولما احتفظت بحملها كان المولود ذكرا وبه اكتملت فرحة الأسرة. وحمدت الأم ربها لكونها لم تستلم لداعي الإجهاض. إرادة ووقاية عن الطريقة التي تستعملها الدكتورة عائشة فضلي في إقناع الراغبين في الإجهاض أفصحت ل "يومية التجديد"، أنها تعتمد وسيلة الحوار الهادئ والإقناع بالحجة، فأول شيء تؤكد عليه أن الحمل إرادة الله والجنين له الحق في الحياة إلا لسبب قاهر، وغالب الزوجات تتذرع بكونها مثلا لها طفلان أو ثلاثة ولا ترغب في المزيد، في هذه الحالة تقول الدكتورة للراغبة: "لو كان هذا حملك الأول هل ستتخلصين منه؟ والجواب طبعا يكون بالنفي، لتؤكد أن التذرع يكون بحجة واهية، وحتى مسألة القدرة المادية وغيرها تتلاشى مع مرور الوقت وبالتجربة". أما من الناحية الطبية، تقول فضلي، فهناك حالات تتذرع بكونها حملت مبكرا بعد عملية قيصرية، وهنا يكون الإقناع بأن استمرار الحمل بشكل طبيعي أهون على جهاز المرأة من الإقدام على عملية الإجهاض التي لها تأثيرات سلبية، مع الإشارة إلى أن هناك حالات تستدعي عناية خاصة ليتم الحمل في ظروف حسنة. وأضافت الدكتور فضلي: "إذا كانت الأسر التي تتوفر على غطاء قانوني وشرعي وهو الزواج تقدم على الإجهاض، فإن هناك فئة أخرى عريضة تلجأ إلى الإجهاض وخاصة حالات خارج إطار الزواج، وهنا استحضرت الدكتورة فضلي حالة لإحدى الخادمات كانت على علاقة غير شرعية مع أحد الشباب نتج عنه حمل إلا أن السيدة التي كانت تعمل عندها ساعدتها على الاحتفاظ بحملها وأجبرت الرجل على الاعتراف بابنه وتم الزواج بين الإثنين وتم إنقاذ الأم والجنين بل حتى الأب من الضياع، وهذه السيدة طبيبة متخصصة في أمراض النساء والولادة". الطبيب مسؤول كانت الدكتورة فضلي أشارت في إحدى حلقات برنامج "مباشرة معكم" على القناة الثانية يوم الأربعاء 20 ماي 2015 إلى أن الطبيب مسؤول على المحافظة على حياة الجنين، ومشاركته في الإجهاض تعد جريمة قتل، مؤكدة أن الجنين حتى لو كان في أسابيعه الأولى يكون قد بدأ فعليا بالتكون. وأكدت أن النساء المجهضات يعانين نفسيا جراء الإحساس بالندم على قتل روح بغير حق، كما يعانين من مضاعفات طبية خطيرة حتى لو كان الإجهاض طبي، نافية وجود إجهاض آمن مائة بالمائة. وطالبت فضلي بضرورة مقاربة موضوع الإجهاض اجتماعيا وأخلاقيا، عن طريق معالجة أسبابه.