أجمع المشاركون في يوم دراسي يوم الثلاثاء 23 دجنبر 2008 بالبرلمان حول الإجهاض بالمغرب بين التشريع والواقع على ضرورة معالجة الظاهرة بمقاربة شاملة أساسها الوقاية خير من العلاج، والجانب التربوي الديني والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي إضافة إلى الجانب القانوني والطبي. وكشف الدكتور شفيق الشرايبي، الاختصاصي في أمراض وجراحة النساء وعلاج العقم ورئيس مصلحة الولادة بمستشفى الليمون بالرباط، خلال اليوم الدراسي الذي نظمه فريق العدالة والتنمية أن حوالي 1000 حالة حمل يومية تطرح مشكلا اجتماعيا بالمغرب، منها 600 حالة تتعرض لإجهاض طبي و 250 لإجهاض غير طبي بوسائل تقليدية و 100 حالة تتابع الحمل مع التخلي عن الرضيع أو اللجوء إلى الانتحار. وكشف الشرايبي عن أن 12 طبيبا مغربيا دخلوا السجن بسبب إقدامهم على الإجهاض الممنوع بحكم القانون، كما أن من مضاعفات الإجهاض التسبب في 13 في المائة من وفيات الأمهات، مطالبا بتخفيف القانون من أجل العمل في ظروف صحية ملائمة. وقوبل رأي الشرايبي بانتقاد عدد من المشاركين في اليوم الدراسي، إذ أوضحت ممثلة عن وزراة الصحة بأن الأرقام التي أدلى بها الدكتور ليست رسمية، وطالب دكاترة مختصون الشرايبي بأن يدلهم على طريقة الحصول على تلك الإحصائيات والمنهجية المعتمدة إذا تعلق الأمر بدراسة علمية، ليعقب بأن الأمر يتعلق بتقديرات مرتبطة بعدد أطباء النساء والتوليد بمختلف مناطق المغرب. وفي الوقت الذي شدد بعض المختصين على منع الإجهاض دفاعا عن حق الجنين في الحياة واحترام هوية البلد، دافع آخرون على تسهيل القيام بالإجهاض حرصا على صحة الأم في حالة الخطر وفي حالات الاغتصاب وزنا المحارم وتشوه الجنين الذي يؤدي إلى الموت بعد ولادته. واستدل المعارضون لإباحة الإجهاض قانونيا بكونه يتعارض مع هوية المغاربة الإسلامية، وللحد من اتساع دائرة الإجهاض، فقد قالت الدكتورة منى خرماش أخصائية طب النساء والتوليد إنني أعيش معجزة الحياة يوميا فكيف أقدم على الإجهاض الذي اعتبره قتلا للنفس، وحتى في الحالات التي يبيحها الشرع والقانون أجدني محرجة من الإقدام على الإجهاض، وإذا كان عدد عمليات الإجهاض مرتفعا مع تشديد القانون فإن العدد مرجح للارتفاع إذا تم فسح المجال قانونيا. وأضافت خرماش أن مسؤولية حل مشكلة الإجهاض لا يعقل إلقاؤها على الأطباء؛ في حين يجب معالجتها اجتماعيا ودينيا قبل اللجوء إلى الطبيب. وشددت النائبة البرلمانية فاطمة بلحسن على ضرورة التنشئة الأسرية الدينية واستحضار الضمير المهني، مشيرة إلى أن أغلب حالات الإجهاض حسب دراسة ميدانية بطنجة تتعلق بفتيات الدعارة، وأن الأطباء الذين يتم سجنهم لا يحترمون مهنتهم، بل يطمعون في الاغتناء من وراء إجراء إجهاض سري، فكيف يمكن الدفاع عنهم أو السعي لتقنين يسهل مأموريتهم. وفي اتجاه آخر طالب أحمد الموساوي اختصاصي أمراض النساء والولادة بعدم تجاهل الواقع، لأن الطلب على الإجهاض يتم يوميا ومن جميع الفئات، وليس الدين وحده السبب، بل هناك حالات حمل ناتجة عن الاغتصاب أو زنا المحارم أو حالات خطر على صحة المرأة أو مرض الجنين مرضا لا يرجى شفاؤه. ومن جانبها دعت الدكتورة عائشة فضلي أخصائية أمراض النساء والتوليد وأستاذة سابقة بكلية الطب بالرباط إلى استحضار الضمير المهني وعدم التساهل عند تلقي طلب الإقدام على الإجهاض، مؤكدة على أن حالات كثيرة عرضت عليها تم إقناعها بالاحتفاظ بالجنين وقبلت الفكرة، وفي حالات تشوهات الجنين فإنها تلجأ إلى فتاوى العلماء. وأضافت بأن الإجهاض حتى في الحالات العادية وظروفه الطبية ليس عملية سهلة وله عدة مضاعفات. وشرحت النائبة البرلمانية بسيمة الحقاوي سياق تناول موضوع الإجهاض في هذه الظرفية بأنه مقترح على الأجندة العالمية، وأن الحالات التي ستدل بها من أجل الإقناع بتغيير القانون إنما هي حالات شاذة وأن الأطباء المسجونين إنما سجنوا بسبب مخالفتهم للقانون، مؤكدة أن القانون المغربي متقدم ويحترم الهوية الإسلامية، ومشيرة إلى أنه لا عفة مع توزيع عقاقير منع الحمل والعازل الطبي على المتزوجين وغير المتزوجين في تعقيب على الدكتور الشرايبي الذي قال بأن موانع الحمل يتم توزيعها بالمستشفيات على النساء دون التأكد من حالتهن العائلية من أجل خفض نسب الحمل غير المرغوب فيه. وقال إبراهيم الألوسي في مقاربته القانونية للموضوع بأن القانون الجنائي المغربي يعاقب في مادته الأولى على الأفعال التي تؤدي إلى اضطراب اجتماعي والإجهاض بطبيعته اضطراب اجتماعي، وصنف المشرع الإجهاض حسب الأشخاص من فاعل أصلي إلى فاعل محرض، إذ الفاعل الأصلي نوعان: أولهما يقوم بالإجهاض وقد تصل عقوبته إلى خمس سنوات وترفع إلى الضعف في حالة الاعتياد على الإجهاض من 10 سنوات، وقد تصل 20 سنة في حالة وفاة الأم. وثاني أنواع الفاعل الأصلي هو المرأة التي تجهض نفسها وتتراوح عقوبتها بين 6 أشهر و سنتين. والاستثناء الواحد الذي أجاز فيه المشرع الإجهاض هو في حالة الخطر المحدق بصحة الأم، وهذا الاستثناء له ضوابط. وخلص الدكتور سعد الدين العثماني في مقاربته الفقهية للموضوع إلى ضرورة المقاربة الشمولية لإشكالية اجتماعية متصاعدة والوقاية خير من العلاج وأن الحلول يجب أن تكون مناسبة لهوية المغاربة ومبادئهم، وأن تعديل القانون هو جزء من منظومة حلول. وقال العثماني إن الأصل في حكم الإجهاض هو الحظر والمنع باتفاق العلماء، باعتبار النفس البشرية معصومة يجب الحفاظ عليها لأنها إحدى الضرورات الخمس. يشار إلى أن اليوم الدراسي المذكور يعتبر أول نشاط بالبرلمان يتناول الموضوع بعد تأسيس أول جمعية مغربية لمكافحة الإجهاض السري بالمغرب في أكتوبر الماضي يرأسها الدكتور شفيق الشرايبي.ذ