أفتى المجلس الأوربي للعلماء المغاربة بجواز دفن موتى المسلمين في المقابر العمومية في الدول الأوربية وذلك من باب "ما لا يدرك كله لا يترك جله" ومن باب "الضرورة، والضرورة لها أحكام، ومن القواعد الفقهية المشهورة، "الضرورات تبيح المحظورات"، ومن باب القياس إذا كان الناس يتجاورون في الحياة الدنيا اختيارا، فلا مانع أن يتجاوروا في المقابر اضطرارا، ولاسيما إذا مُنِح للمسلمين مكان خاص بهم في طرف من أطراف مقابر غير المسلمين". وأشار المجلس إلى أن هذا الحكم يناسب المسلمين الذين ليست لديهم إمكانيةٌ لِدَفْن موتاهم في مقابر إسلامية، ولو بنقلهم إلى بلد إسلامي بطريقة أو بأخرى. أما الذين يستطيعون نقل جُثَثِ ذَوِيهم إلى أوطانهم الأصلية، أو وجد من يتكفل بذلك، فالأمر واضح. وما ذلك إلا لأن قوانين الدفن والمقابر في البلدان الإسلامية تخضع للشريعة الإسلامية بخلاف قوانين البلاد الأوروبية. وأوضح المجلس الأوربي أنه عند تعذر إيجاد مقبرة خاصة للمسلمين ولم يتيسر لهم كذلك الحصول على مكان خاص بهم في طرف مقبرة من مقابر غير المسلمين، فالأمر لا يخلو: إما أن يمكن نقل جثة المسلم إلى بلد إسلامي أو لا يمكن أصلا، فإن أمكن نقلها إلى مقبرة من مقابر المسلمين أو إلى مكان مستقل، وجب ذلك؛ وإن لم يمكن نقلها وتعذر ذلك، فيقال إن الأصل في دفن المسلم في مقابر غير المسلمين هو المنع ما لم يحصل العجز عن دفنه في مقبرة المسلمين، أو في مكان مستقل، أو في جزء خاص من مقابر غير المسلمين. فإذا حصل العجز وتعذرت الأحوال، ففي هذه الحالة يجوز دفن المسلم في مقابر غير المسلمين للضرورة، ومن باب تعارض المفسدتين: مفسدة دفنه في مقابر غير المسلمين ومفسدة عدم دفنه، لما يخشى عليه من التغير والضياع. وعند النظر إلى المفسدتين تقدم مفسدة دفنه في مقابر غير المسلمين على مفسدة عدم دفنه وتعرضه للتغير والضياع، فيؤدي ذلك إلى إهدار كرامة الإنسان وعدم ستره. وأكدت الفتوى على أن على المسلمين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا – بالتضامن فيما بينهم – إلى إيجاد مقابر خاصة بهم ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، فإذا لم يستطيعوا الحصول على مقبرة خاصة مستقلة، فلا أقل من أن يكون لهم مكان محدد خاص بهم في طرف من أطراف مقبرة غير المسلمين، يدفنون فيه موتاهم، وهذا أهون من توسط قبرالمسلم في مقابر غير المسلمين. وبالنسبة لمقبرة المسلمين إذا ضاقت بأهلها ولم يعد فيها مكان فارغ لدفن أموات المسلمين ولم يوجد مكان آخر للدفن، أجاز المجلس نبش القبور القديمة التي يظن ظنا قويا أن أصحابها قد أفنتهم الأرض وتحولوا إلى تراب أو عظام بالية مفتَّتة. وعندما ينبش القبر، ينبش برفق ولين لأن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي لما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مالك في الموطأ وأبو داود وابن ماجه في سننهما وابن حبان في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كسر عظم الميت ككسره حيا) وفي رواية (كسر عظم الميت مثل كسر عظم الحي) وحينما ينبش القبر تجمع تلك العظام المفتَّتة وتدفن في ناحية من نفس القبر، وهكذا يَحفظ دين الإسلام كرامة الإنسان حيا وميتا.