من الكتب الحديثة التي عرفت إقبالا كبيرا، وصنفت من أكثر الكتب بيعا وانتشارا: كتاب لا تحزن للدكتور عائض القرني، وهو عبارة عن دراسة تهتم بالجانب المظلم من حياة البشر المتعلق بالقلق والاضطراب، والحيرة، وفقدان الأمل، والهم والحزن، واليأس والنكد، حيث اعتمد فيه صاحبه على الوحي والنقل، والأدب والقصص، والتجارب الحية، بالإضافة إلى أطروحات القدامى والمحدثين، والشرقيين والغربيين، وصاغه بأسلوب نفيس أخاذ، فكان حقا مستحقا لواسع الصيت، وجميل السمعة، وعظيم الإقبال.. يقع الكتاب في 584 صفحة، ويتكون من مقدمة و249 فصلا أو عنوانا وخاتمة. ورد الحزن في القرآن بكل مشتقاته اللغوية في اثنين وأربعين موضعا، وهو جزء من كينونة الإنسان، لا ينفك عنه كيفما وحيثما كان، إذ لا تدوم المسرة، والفرح فان، ولقد حزن النبي (ص) على إثر الأحداث الأليمة التي لاقته، من ذلك موت عمه وزوجه خديجة اللذين كانا سنده وردأه، حتى سمى ذلك العام عام الحزن ومن ذلك موت ابنه إبراهيم الذي قال في رثائه: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".. آثار الحزن على الإنسان كثيرة تتفرق بين الجانب العضوي والجانب السيكولوجي النفسي، وفي قصة يوسف ساق تعالى أثرا من هذه الآثار حكاية عن والد سيدنا يوسف عليه السلام الذي قال عنه: "وابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم".. إذا تأملنا حياة الناس اليوم، نجد أن حالات الاكتئاب والاضطراب، والضغط الدموي وداء السكري، وسائر الأمراض النفسية قد كثرت أعداد المصابين بها، حيث أضحى الإقبال كبيرا على العيادات النفسية، بل على الشعوذة كذلك، والرقية الشرعية منها وغير الشرعية. معظم أسباب هذه المكابدة والمعاناة: الحزن على ما ضاع وما فات من حظوظ الدنيا على اختلافها، وتمكن هم الدنيا من سويداء القلوب، وطغيان الدنيا على الآخرة في النفوس، الأمر الذي يفرق الشمل والأمر، كما في حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت همه الدنيا، فرق الله شمله، وفي لفظ، أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة" الحديث... الدواء كامن مخبوء في كتاب لا تحزن، وفي تجديد الأمل، والإيمان بالله، والثقة فيه، واستحضار الآخرة، واعتبار الدنيا بأسرها تافهة لا تستحق أن نأسف على ما فات منها، أو نفرح بما أوتينا من حظوظها، وعرضها الزائل لقوله تعالى: (لكيلا تاسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم".. يقول الدكتور عائض القرني في كتابه لا تحزن ص: 170: "لا تحزن: لأن الحزن مخاصمة للقضاء، وتبرم بالمحتوم، وخروج على الأنس، ونقمة على النعمة.. لا تحزن: لأن الحزن لا يرد مفقودا وذاهبا، ولا يبعث ميتا، ولا يرد قدرا، ولا يجلب نفعا. لا تحزن: فالحزن من الشيطان، والحزن يأس جاثم، وفقر حاضر، وقنوط دائم، وإحباط محقق، وفشل ذريع..." وتبقى: لا تحزن وصفة علاجية، ناجعة، وناجحة، ومنفسة، والله أعلم. المصطفى الناصري