تؤكد الخياطي من خلال هذا الحوار الذي خصت به جريدة التجديد أن جبهة البوليزاريو تحرص على محو كل معالم الهوية الثقافية الإسلامية للشعب الصحراوي، بسبب تشبعها بالأفكار الماركسية، كما تحرص في الوقت نفسه على تنشئة أطفال المخيمات تنشئة ماركسية من خلال عملية الترحيل القسري للعديد من أطفال المخيمات إلى كوبا خاصة. وترى الخياطي أن حل قضية الصحراء المغربية يجب أن يمر عبر تحقيق عملية تنموية حقيقية شاملة بالأقاليم الجنوبية للمملكة. في البداية من هي كلثوم الخياطي، وكيف التحقت بجبهة انفصاليي البوليزاريو؟ طبعا أنا من مواليد مدينة العيون، التحقت بجبهة البوليزاريو سنة 1975 احتجاجا على الأوضاع السائدة آنذاك نتيجة الاحتلال الإسباني، وكان التحاقنا رفقة العديد من المغاربة الآخرين تعبيرا عن الرفض الكامل لذلك الواقع، خاصة وأننا كنا نشعر آنذاك بنوع من الوعي بما يحيط من حولنا، ونحن نبلغ من العمر حينئذ ما بين 16 و20 سنة، وهذا الوعي إن لم يكن في مستوى عال، فقد كان على الأقل وعيا برفض الاستعمار الإسباني، الذي جعلنا نعيش في تلك الظروف القاسية، وعلى الهامش في كل مجالات الحياة، حيث لم تكن لنا مشاركة في أي قطاع من قطاعات الحياة، سواء ما تعلق منها بالجانب السياسي أو الجانب الاجتماعي، أو غيرهما. ويمكن القول إن التحاقنا بالبوليزاريو كان بسبب أننا تخيلنا وجود بعض بصيص من الأمل هناك، سرعان ما تأكد لنا أنه لم يكن سوى وهم كنا ضحاياه. غير أنه لا يمكن فصل ظروف التحاقنا بجبهة البوليزاريو عن الظروف الدولية العامة آنذاك، حيث شعارات التحرير، والمبادئ الماركسية الاشتراكية، وحركات تصفية الاستعمار. وفي مقابل تعرفنا على هذه المفاهيم، كنا نجهل كل شيء عن المغرب، ولم نكن نعرف عنه إلا كل مظاهر التشويه التي تصوره بها قيادات جبهة البوليزاريو، في محاولاتها المستمرة لتضليل الرأي العام الصحراوي. إذن، كان التحاقك بجبهة البوليزاريو برغبة التطلع إلى الحرية، والثورة على الاستعمار الإسباني للمنطقة؟ تماما، فضلا عن أننا كنا نظن أن التحاقنا بالجبهة سيكون من شأنه توفير ظروف عيش مناسبة لسكان الأقاليم الجنوبية، نظرا لما اعتقدناه من توفر مادة البترول بكثرة بهذه المناطق، الشيء الذي اعتبرنا أن من شأنه أن يجعل حياة ساكنة هذه الأقاليم لا تقل عن مستوى عيش بعض الدول الخليجية الغنية بالبترول. وهل تحقق لك ما كنت ترغبين فيه بجبهة البوليزاريو، والذي على إثره غادرت التراب الوطني إلى هذه الوجهة؟ لا شيء تحقق على الإطلاق مما كنت أرغب فيه بحسب الشعارات التي رفعت، ويمكن أن أقول إنه لا أثر لتلك الشعارات المرفوعة التي استدرجت العديد من المواطنين وجعلتهم يغادرون الوطن في اتجاه المجهول، ذلك أن الدافع السياسي الذي كان من وراء هجرتنا من المغرب نحو هذا الكيان لم نر له أثرا في الواقع السياسي والعمل اليومي بهذه الجبهة، ولم يقتصر الأمر على الجانب السياسي، بل إننا أصبحنا من وقت لآخر نفقد تربيتنا الدينية وهويتنا الثقافية الإسلامية. وقد زادت من هذا الوضع المأساوي الذي فاجأنا بمخيمات تندوف، طريقة الحكم القائمة على سيطرة حزب دكتاتوري واحد، يستحيل معه التعبير عن آراء مخالفة. ولما حصلنا قسطا معتبرا من الإدراك السياسي لحقيقة ما يجري بهذه الأقاليم، أدركنا أن هذا الحزب الوحيد بمخيمات تندوف لا يستطيع أن يسير نفسه بنفسه، وأن الذي يتولى تدبير شؤونه وتوجيهه هي الجزائر. هل لك أن تطلعي قراء التجديد على نوع الإعانات التي تتوصل بها جبهة البوليزاريو، ومصادرها وطريقة توزيعها؟ مشكلة المساعدات الإنسانية التي كانت تتوصل بها جبهة البوليزاريو، وطريقة تصرف قياداتها بشأنها، كانت هي النقطة الرئيسية التي فتحت أعين العديد من سكان مخيمات اللاجئين بتندوف، هؤلاء السكان الذين انتبهوا إلى أن قيادات جبهة البوليزاريو أصبحت توظف معاناة اللاجئين، من مثل أن هؤلاء يعانون وضعا ماديا مزريا وأرضا قاحلة لا يستفاد منها، وذلك من أجل استعطاف الضمير الإنساني العالمي بغية الحصول على المزيد من الإعانات المادية والمساعدات الإنسانية، وقد تواصلت هذه المساعدات الوفيرة والكثيرة على الجبهة، غير أنه تبين في الأخير أن الجبهة توظف هذه المساعدات والإعانات لحسابها الخاص، حيث إن عددا من قياداتها أصبحوا أغنياء ويملكون عدة مشاريع في الدول القريبة، سواء تعلق الأمر بإسبانيا أو بموريطانيا أو بالجزائر. وهذه الثروة المفاجئة التي حققتها هذه القيادات على حساب سكان المخيمات، جعل العديد من سكان تندوف يقتنعون بأن هذه القيادات لا هم لها غير الاغتناء السريع، فضلا عن أنها تسخر لخدمة مصالح دول أجنبية أخرى بالقدر الذي تخدم به مصالحها الخاصة. ألم يتم التعرف على هذه الحقائق قبل أن تكشف عنها بعض المنظمات الدولية كفرانس ليبرتي مثلا؟ كان ذلك ممكنا لو لم يكن مسؤولو الجبهة على درجة عالية من التسلط والتحكم في رقاب الناس، ففي سنة ,1988 وقعت هزة عنيفة داخل جبهة البوليزاريو، وكانت عبارة عن رد فعل طبيعي ضد القمع والتسلط، وضد الدكتاتورية التي يبني عليها قادة البوليزاريو تعاملهم السياسي، ومع ذلك استطاعت بعض الفعاليات كشف واقع ومصير هذه المساعدات ونصيب قادة الجبهة الوافر جدا منها، واستطاعت من خلال ذلك أن تكشف القناع عن التعاطي الانتهازي لقيادات الجبهة في موضوع المساعدات التي يتوصلون بها. وكانت تلك التحركات سببا استغلته قيادات البوليزاريو للزج بالعديد من السكان في السجون، ولتكميم أفواه عدد آخر ومنعه بالتهديد والترهيب من الكلام أو البوح بما يرى ويسمع. عايشت بعض المواقف العربية والدولية بشأن الموقف من الصحراء المغربية؟ كيف تفسرين حيثيات الموقف السلبي الجزائري من قضيتنا؟ أنا من موقعي أيضا أتساءل عن خلفيات الموقف الجزائري السلبي من وحدتنا الترابية، لكني من خلال عملية بحث واستيعاب لما يقع وللمواقف الجزائرية نفسها توصلت للحقيقة نفسها التي توصل إليها العديد من السياسيين والباحثين، وهي أن الجزائر لا تريد حلا للأقاليم الجنوبية للمملكة في إطار السيادة المغربية، رغبة منها في إضعافه من جهة، من خلال حجم الجهود والأموال التي تصرف في سبيل هذا الملف، ومن جهة ثانية لإشغال المغرب عن المطالبة ببعض أراضيه التي ما تزال تحت سلطة الجزائر. وكيف تنظرين لطبيعة التعامل المغربي مع ملف الصحراء المغربية؟ وأقصد ماذا ترين في هذا الملف بالذات الذي لما يبرح بعد أروقة الأممالمتحدة؟ أعتقد أنه لا ينبغي الرهان على الأممالمتحدة، ذات الموقف المتذبذب من الملف كله، نظرا لتذبذب الموقف الأمريكي، لكن بالمقابل أعتبر أن الرهان الحقيقي يجب أن يكون قائما على إحقاق تنمية اقتصادية حقيقية بالمنطقة، يكون من شأنها فك أي ارتباط كيفما كان بين سكان أقاليمنا الجنوبية وبين خصوم وحدتنا الترابية، وأقصد إحقاق تنمية بالمنطقة تحول دون التفكير في اتخاذ أي موقف لا ينسجم مع وحدتنا الترابية وسيادتنا الوطنية. ومن شأن هذه التنمية أن تضمن استقرار سكان أقاليمنا الجنوبية بكل اطمئنان في بلادهم المغرب، بعيدا عن التشبه بقيادات البوليزاريو التي تأكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن ارتباطهم بالجزائر وإسبانيا وبريطانيا أكبر بكثير من ارتباطهم بهذه الأقاليم. حاورها عبد الرحمان الخالدي