تعرضت قبور المسلمين بمدينة ستراسبورغ الفرنسية لاعتداء عنصري شنيع. ولم يكتف المعتدون بممارسة ظلمهم على الأحياء عبر المنابر الإعلامية والسياسية فحسب، ولكنهم تجاوزوا الأحياء إلى الأموات. وقد سارع كل من الرئيس الفرنسي جاك شيراك ووزير الداخلية دوفيليبان إلى إدانة الجريمة واستنكار العدوان، وحضر الوزير إلى عين المكان بنفسه لمعاينة ما حدث وتقديم المؤازرة المعنوية والمادية لمسلمي فرنسا. المعتدون ذهبوا إلى أكثر من ذلك فهددوا ممثل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عبد الحق نبوي بالتصفية الجسدية. وليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض لها مسلمو فرنسا لمثل هذا العدوان ولمثل هذا التهديد في المدن الفرنسية خاصة في كورسيكا وستراسبورغ. وذلك ما دفع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى تأسيس المرصد الوطني للإسلاموفوبيا الذي سيكون على عاتقه إحصاء الأحداث العدوانية الموجهة ضد مسلمي فرنسا عن طريق خلايا لليقظة، إذ لم يعد الأمر مقتصرا على المسلمين من أصل مغاربي، بل تعداه إلى كل شرائح مسلمي فرنسا. وليس المسلمون وحدهم ضحايا الاعتدءات العنصرية، بل يتعرض يهود فرنسا هم الآخرون لاعتداءات متكررة تشمل البيع (المعابد اليهودية) والأشخاص والممتلكات أيضا. وتشير أصابع الاتهام إلى النازية الجديدة واليمين المتطرف في فرنسا الذي عبر، جهرا لا سرا، عن كراهيته لكل من اليهود والمسلمين، وكشف عن رغبته في طرد هؤلاء وهؤلاء من الديار الفرنسية، وذلك من أهم عناصر الحملات الانتخابية لزعيم الجبهة الوطنية المتطرفة جان ماري لوبان. وتجري هذه الاعتداءات المؤلمة على خلفية أحداث كبرى مثل 11 شتنبر 2001 والقضية الفلسطينية وتصاعد الرفض الأوروبي للكيان الصهيوني واعتباره خطرا كبيرا على السلم العالمي والجرائم الإرهابية في جهات متعددة من العالم، ولم يعد المراقبون والمحققون يميزون بين الفاعل الحقيقي للاعتداءات الموجهة نحو المسلمين واليهود والفاعل الوهمي. وبسبب ذلك وجهت اتهامات سريعة للمسلمين من أصل مغاربي بالوقوف أمام الاعتداء على بعض اليهود لكن سرعان ما تبين أن الفاعل الحقيقي يهودي يعاني من اهتزاز نفسي في الشخصية حسب ما جاء في مقال تحليلي لنادية بن عثمان على الموقع الإخباري الإسلامي الفرنسي سفير نت يوم 7 يونيو. وتذهب بعض التحليلات إلى أن بعض الاعتداءات المصوبة نحو يهود فرنسا مخطط لها ويقصد منها الضغط عليهم للهجرة نحو الكيان الصهيوني وهو ما تجلى في الاستعداد لتهجير 30 ألف يهودي في فرنسا إلى فلسطينالمحتلة حسب مصادر إسرائيلية ليوم الاثنين الماضي. وذلك ما أكده يهود آخرون مناهضون للصهيونية. وإذا كانت الاعتداءات الموجهة صوب يهود فرنسا تحظى بالمتابعة الإعلامية الكثيفة، فإن مسلمي فرنسا لا بواكي لهم ولا يحظون بالقدر نفسه من المعالجة الإعلامية النزيهة، بل على العكس من ذلك تشن عليهم حملات إعلامية مغرضة كثيرا ما تضرروا منها وعبروا عن غضبهم واستيائهم منها، وطالبوا بوضع حد لها وبالمساواة في التعاطي الإعلامي لقضايا كل الديانات المعترف بها في فرنسا. فأي ريح صفراء هاته التي أخذت قوتها تزداد عاصفة بمسلمي فرنسا، ويهودها وماذا يريد المعتدون من خلط الأوراق بين المسلمين واليهود في بلاد الحرية والأخوة والمساواة؟