تتخد هذه الأيام فضيحة صور التعذيب والاغتصاب بسجن أبو غريب الذي ورثه الاحتلال الأمريكي من صدام حسين أبعادا وأصداء متزايدة يوما بعد يوم. وجديد ذلك تقرير أعدته أجهزة استخباراتية أوروبية يشير إلى حدوث انتهاكات لأسيرات عراقيات مماثلة لتلك التي وقعت بحق السجناء في سجن أبوغريب. وبموازاة ذلك، يتكشف المزيد من صنوف الديموقراطية التي بشرت بها كوندليزا رايس، مستشارة الأمن القومي الأمريكية، في كلمة أمام مؤتمر رابطة مناهضة تشويه السمعة -وهي جماعة ضغط يهودية قوية- إن العراق طريق كبير الأهمية بالنسبة للجهود الأمريكية لتصدير صنف تلك الديموقراطية إلى الشرق الأوسط الكبير. وللتخفيف من الآثار الفضيعة لفظيحة صور أبوغريب على الرأي العام العربي والعالمي وانعكاساتها على صورة أمريكا ووضعها مستقبلا، ظهر أن إدارة بوش دخلت استراتيجية النفاق الإعلامية على المستوى العربي (بالضغوط على القنوات العربية) والدولي لامتصاص ردود الفعل. اغتصاب وتعذيب منظم للأسيرات قالت صحيفة الوطن السعودية في موقعها على الإنترنت أمس الأربعاء إنها اطلعت على تقرير أعدته أجهزة استخباراتية أوروبية لم تحددها يشير إلى حدوث انتهاكات مماثلة لتلك التي وقعت بسجن أبو غريب وأكثر بشاعة منها في العديد من السجون ومعسكرات الاعتقال، على رأسها معسكر كروبر للسجناء العراقيين بالقرب من مطار بغداد، حيث تعتقل القوات الأمريكية في هذا المعسكر ذوي الأهمية ممن لديهم معلومات سياسية أو عسكرية أو معلومات تتعلق بأعمال مقاومة الاحتلال. ضغوط كبيرة لتمييع التحقيق وأوضح التقرير الأوروبي أن التقرير الحكومي الأمريكي ورد فيه حدوث عمليات اغتصاب منظمة للنساء وهتك أعراض الرجال، واستخدام الكهرباء وإطلاق الكلاب على المعتقلين المصابين، مشيرًا إلى أن هذه العمليات بلغت حد إجبار المساجين على عدم النوم لأيام متواصلة لإرهاقهم ذهنيًّا وتنفيذ عمليات غسيل مخ لهم، عبر استمرار الضرب المتقطع، وتشغيل مكبرات صوت بالموسيقى، ووضعهم تحت أضواء كاشفة قوية. وأضاف التقرير أن الحكومة الأمريكية طلبت من ضابط كبير يعمل مفتشًا في جهاز الاستخبارات القيام بعمل تحقيقات حيادية في دجنبر ,2003 حول وضع السجناء والمعتقلين في السجون الأمريكية في العراق، وطرق التحقيق معهم، وأساليب معاملتهم من قبل الجنود والسجانين، على أن تشمل هذه التحقيقات سجن أبو غريب، لكن هذا المفتش تعرض لضغوط كبيرة لتمييع التحقيق، وإغفال النتائج والتوصيات التي يتم التوصل إليها. ديموقراطية مخجلة ومازالت القنوات الشبكية والإعلامية تتناول صور الديموقراطية في العراق، والتي خرج نموذجها الصافي من سجن أبوغريب، وهي الصور التي كانت نشرتها شبكة سي بي إس نيوز الأمريكية في أحد برامجها يوم 28 أبريل الماضي . وكانت تلك الصور قد التقطت من داخل السجن في أواخر عام 2003 للقوات الأمريكية وهي تسيء معاملة عدد من المعتقلين العراقيين، وأظهرت الجنود الأمريكيين وهم يبتسمون ويقفون لالتقاط الصور التذكارية ويضحكون ويلوحون بعلامة النصر بأصابعهم، بينما تكوّم معتقلون عراقيون عرايا في شكل هرمي أو وقفوا في أوضاع وكأنهم سيمارسون الجنس مع بعضهم بعضًا. وكتبت كلمات مهينة على بشرة رجل عراقي باللغة الإنجليزية، كما اقتاد الجنود الأمريكيون رجلاً آخر ليقف على صندوق ورأسه مغطى، في حين تم توصيل أسلاك إلى يديه وتم إبلاغه بأنه إذا سقط من أعلى الصندوق فسيصعق بالكهرباء. وخلافًا للانتهاكات الأمريكية ضد المعتقلين العراقيين كشفت صحيفة ديلي ميرور يوم 1 من الشهر الجاري تقريرًا أكدت فيه أن الجنود البريطانيين ارتكبوا جرائم أخلاقية ضد المعتقلين العراقيين شملت التبول عليهم وتعذيبهم وتجريدهم من ملابسهم. أما صحيفة الجارديان البريطانية فنقلت في اليوم نفسه عن السيرجانت البريطاني إيفان فريدريك الذي يواجه احتمال المحاكمة العسكرية قوله إن أحد السجناء العراقيين توفي في نونمبر 2003 متأثرًا بضغوط التحقيقات، ولكن تم التكتم على تلك الواقعة. كما شهدت شبكة الإنترنت أخيرًا عملية تداول مكثفة، على مواقع إلكترونية لصور تظهر اغتصاب بدوية عراقية في منطقة صحراوية بالعراق على يد جنود من قوات الاحتلال بالعراق، غير أنه لم يتم بعد التأكد من هوية المرأة أو الجنود الذين تبدو عليهم بوضوح الملامح الغربية. من جهة أخرى، أورد موقع ميدل إيست الخليجي قصة مصور عراقي شاب لقناة الجزيرة القطرية الفضائية ألوان الإذلال والتعذيب التي تعرض لها خلال اعتقاله لمدة شهرين في السجون الخاضعة لعسكريين أمريكيين، حيث أوهم بأنه سيتم إعدامه وأرغم على التعري، واتهم بالتعاون مع المقاتلين العراقيين وهدد بإرساله إلى معتقل غوانتنامو. غير أن الأمر انتهى به في سجن أبو غريب، حيث سيشهد على صور الإذلال والانتقام البشع لعجزة عراقيين حتى الوفاة. استراتيجية الاحتواء ووفقا لما نشرته صحيفة الشرق الأوسط نقلا عن تصريحات لمسؤولين أمريكيين، تبذل إدارة بوش جهدا كبيرا لصياغة استراتيجية لمواجهة رد الفعل العالمي ضد الولاياتالمتحدة جراء فضيحة صور سجناء أبو غريب. ويتوافق ما نقلته الصحيفة مع الظهور المكثف منذ تفاعل الفضيحة للمسؤولين والقادة العسكريين العسكرين عبر قناتي الجزيرة والعربية واستغلالهما كفضائيتين أكثر استقطابا للرأي العام العربي لتجميل صورة أمريكا. وقالت الصحيفة إن السعي من الولاياتالمتحدة لرد فعل قوي بعدما كشف قسم الاستخبارات والأبحاث التابع لوزارة الخارجية عن ردود فعل مدمرة وانتقادات تعدت العالم العربي والإسلامي، إلى عموم العالم. عبدالرحمان الهرتازي