في عالم تعددت فيه مصادر تلقي المعرفة الدينية بفعل الإمكانات التي أتاحتها ثورة الاتصال والاعلام الرقمي، صار القيام بعملية تصفح في المواقع على شبكة الأنترنيت أو إجراء مسح في محركات البحث في موضوع، يمكنك من الحصول على ملايين المعلومات والمعطيات ذات المحتوى والمضمون الديني أو الشرعي أو يحيلك على مراجع متنوعة تقدم المعرفة الإسلامية بصفة عامة، وأمام وفرة المعلومات والمعارف الموجودة على شبكة الأنترنيت وفي وسائل الاعلام والاتصال الحديثة وسرعة انتشارها وسهولة تداولها فيما بين المشتركين سواء بإرادتهم أو دون رغبتهم في ذلك، خصوصا عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي "فايسبوك" "تويتر" "واتساب"..، أصبحت شبكة الأنترنيت ووسائط التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لترويج معرفة دينية ملغومة ومعلومات شرعية غير صحيحة بسبب تنوع واختلاف مصادرها وخلفياتها المذهبية والفكرية وحتى العقدية، وهو ما جعل الفاعلين في الشأن الديني ينتبهون إلى ضرورة تحصين المعرفة الدينية من الدخيل عليها حتى لا يتسلل إلى الشباب المغربي فتاوى منحرفة وتأويلات متلاعب فيها تؤدي بهم إلى اعتناق فكر الغلو والتطرف . فما هي المعرفة الدينية الملغومة وأين تكمن خطورتها، وما هو أثر تلقي المعرفة الدينية من شبكة الأنترنيت بدون ضوابط على سلوك الناشئة والشباب، وما السبيل لتحصين الشباب من المعرفة الدينية الملغومة وكيف ينبغي مواجهتها؟ حاجة قائمة ومستمرة أكد الدكتور مولاي عمر بن حماد، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة محمد الخامس بالرباط، على أن الحاجة إلى المعرفة الشرعية الدينية الشرعية حاجة قائمة ومستمرة، وقد كانت هذه الحاجة يضيف المتحدث " تلبى عبر قنوات المسجد والعلماء والوالدين والمؤسسات التعليمية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية عموما وغير ذلك، قبل أن تصير اليوم وسائل الإعلام والاتصال المعاصرة مصدرا أساسيا لتلقي المعرفة الدينية"، وأبرز بن حماد أن المعلومة كيفما كانت قيمتها ونوعيتها فإن خطورتها تكمن في وثوقية المصدر التي جاءت منه، ولذا فإن وسائل الاتصال والاعلام الحديثة تحتاج إلى ثقل في التعامل معها لأنها انتشرت بها معلومات كثيرة لا تعلم درجة وثوقيتها ولا صحتها ولا يعلم لها مصدر وسند، وهذا أمر خطير جدا لأنه يخيل لكل واحد أن المعلومة التي توصل بها عبر هذه الوسائل فقد حصل على المعرفة الدينية الموثوقة. واعتبر بن حماد في تصريح ليومية "التجديد" حول إشكالية "المعرفة الدينية الملغومة" أن وسائط الاعلام والاتصال الحديثة ربما صارت من لسان قوم أهل هذا العصر فلا بد أن يختار العالم والعامل في مجال الدعوة لما يتناسب مع العصر ومع الظرفية الزمانية والمكانية لإيصال المضمون العلمي كيفما كان، فالله سبحانه وتعالى قال في محكم تنزيله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ? فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، وبالتالي فإنه قد يكون مضمون العلم جيدا، ولكن تضيعه الوسيلة التي تم بها تقديمه، والعكس كذلك قد يكون محتوى المعرفة رديئا ولكن بالبهرجة وحسن التسويق تنفذ إلى الناس وتستهدف أكبر شريحة من المتلقين وقد تؤثر فيهم وتسلب عقولهم وتغير قناعاتهم وتنعكس على سلوكهم. أدنى درجة التلقي أوضح الدكتور مولاي عمر بن حماد، أن علماء الحديث قديما جعلوا طريقة "الوجادة" من أدنى مستويات التلقي، والآن يمكن أن نقول أن الذين يجدون المعلومات الشرعية والدينية في المواقع الإلكترونية عبر شبكة الأنترنيت أو القنوات الفضائية، يسقط عليهم حكم تلقي الأحاديث النبوية والمعرفة الشرعية بطريقة "الوجادة" وبالتالي فإنهم يتلقون هذه المعارف من أدنى مستويات التلقين، مبرزا "أنه يمكن لأي كان أن ينسب الكلام لمن شاء وينزله على موقع بشبكة الأنترنيت على أنه قول شيخ أو عالم دون دليل عليه، ومعلوم أيضا أن بهذه الوسائل يمكن أن يظهر لك شخصا كأنه يتكلم لكنه تم تصويره بتقنيات يمكن وقوع فيها تدليس وبالتالي تمرير أفكار خاطئة، وأحيانا يكون أصحاب هذه المواقع أو المشرفون عليها هم حملة أفكار معينة ويعبرون عنها بكل جرأة بغير مراعاة لأي ضوابط … فينقلها المتلقي منهم ظنا منه أنه يأخذ المعلومة الدينية من مصدر موثوق. وبناء عليه أكد بن حماد على أن تأمين المعرفة الدينية صار أمرا واجبا وأولويا في هذه المرحلة، وقال "لابد من تأمين المعرفة الدينية والشرعية من الألغام لخطورتها لأنها يمكنها أن تدفع إنسان إلى التوبة كما يمكنها أن تنفر آخر من التوبة والهداية، وكما يمكن أن توجه الانسان للطريق الصحيح فإنها يمكن أن تعطيه معلومة يتخذ بناء عليها قرارات في حق نفسه أو في حق أهله او في حق مجتمعه أو في الانسانية جمعاء بعيدة عن الشرع والهدى وعن الحق، ودليله في ذلك أنه قرأ عن هذه "الحقائق الدينية" في موقع من المواقع على شبكة الأنترنيت أو وجدها منسوبة لشيخ من الشيوخ، أو لعالم من العلماء، وهذا ليس دليلا على أن تلك المعلومات صحيحة"، ونبه إلى أن "تلقي المعرفة الدينية خصوصا يجب أن يكون تحت إشراف أهل الاختصاص من العلماء والراسخون في العلم المشهود لهم من المؤسسات الرسمية، حتى يكون الإدراك والوعي آمنا سالما من الشبهات ومحترما للشروط الصحيحة". أخذ الاحتياط وشدد الدكتور في علم أصول التفسير على أنه ينبغي الاحتياط الكبير من المحتوى الشرعي المتداول والمعروض على شبكة الأنترنيت في المواقع الرقمية والمنتديات وأشرطة الفيديو والقصاصات ذات المضمون الإسلامي، وقال "هذا المجال محفوف بالمخاطر ومحفوف بالمنزلقات والاحتياط فيه واجب وبشكل مؤكد وأساسي"، وحذر بن حماد من التطاول على الميدان الشرعي ومن توزيع الالقاب والصفات كالمشيخة والعالمية على هذا وذاك ممن ليس لهم رسوخ في العلم، أو أولئك الذين لا يفقهون في العلوم الشرعية إلا معلومات يسيرة جدا ويسمحون لأنفسهم أن يفتوا ويرجحوا، معتبرا هذا العمل "بهتان" ينبغي أن ينبه إليه، لأنه لا يمكن لأي واحد أن يقرأ مثلا كتب الطب ويقول أني صرت طبيبا أو يقرأ كتب تعليم سياقة الطائرات ويدعي أنها صار ربانا أو أن يصير المرء سباحا بمجرد قراءة كتاب في السباحة، ليخلص إلى أن المعرفة العلمية لها قواعدها وشروطها يجب تحريها قبل أخذها. في المقابل حض بن حماد الشباب على ولوج المواقع الرقمية للهيئات الرسمية التي تقدم العلوم الشرعية المعرفة الإسلامية بصفة عامة، والانتباه إلى المواقع التي علم أنها تحمل فكرا متطرفا أو غلوا وتشددا أو فكرا غير علمي أو لا يتلائم مع السياق الكوني والمحلي المعاصر، ويجب التحذير منها كما يُحذر من كتب أو نصوص أو أعلام أو أفهام مشبوهة، مؤكدا على أن التعريف بالباطل أولى من منعه أو قطع الطريق عليه. ووجه بن حماد نصيحة لكل من أعجبته خطب أو دروس شيخ أو داعية منشورة في مواقع الأنترنت أن يعرضها على أهل الاختصاص ويستشيرهم فيه، ما قولكم في فلان؟ فالله سبحانه وتعالى يقول ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وأكد بن حماد أن الشباب قد يعجبهم خطاب شيخ أو داعية ولكن لا قدرة لهم على تمحيص مضمونه وقياسه، داعيا الشباب إلى عدم الانسياق وراء الانبهار والافتتان بأي كان قبل عرض المحتوى الذي تلقفه على العلماء فقد يتبين بطلان أدلتها وما بها من زيف وأوهام، مؤكدا على أن بلدنا مليئ بالعلماء والفقهاء الأكفاء يجب استشارتهم. إيجاد بدائل وأوصى الدكتور مولاي عمر بن حماد بإيجاد بدائل لتوفير المعرفة الدينية التي صارت حاجة لدى الشباب، لأن الطريقة التقليدية في تقديم المعرفة الدينية صارت مزاحمة، لم تعد هي الطريقة الوحيدة المقنعة والمصدر الوحيد لتلقي المعلومة، فقد صارت الوسائط الاتصالية والاعلامية الحديثة تقدم المعلومات والمعارف بسرعة وبتقنيات عالية.