عندما كتبت مقالة الأسبوع المنصرم عن محنة العلمانية في بلاد المسلمين، لم أكن أتصور أن يأتي تصديق مقالتي بهذه السرعة الفائقة من قبل مجلة تيل كيل حيث أخذت المحنة بعدا نفسيا رهيبا جعلت كاتب افتتاحية العدد146 ينعت شهر رمضان بشهر اللاتسامح Le mois de lintolérance وينعت المغاربة باللاتسامح والشمولية "les Marocains sont intolérants et totalitaires... ولمن لم تتيسر له قراءة هذه المقالة الشاذة عن رمضان وأجوائه الربانية المتميزة العطرة، نلخص بأمانة كاملة المضامين الأربع الكامنة فيها وهي كالتالي: - عكس ما هو شائع، فرمضان ليس شهر تسامح لأن وكالين رمضان في محنة! - مشكلة هؤلاء الوكالين، ليست مع القانون الذي يعاقب على الإفطار العلني ولكن مع نظرات المغاربة وتصرفاتهم بما في ذلك أسرهم التي تعقد حياتهم وتحيلها إلى جحيم! - المغاربة يتقبلون تصرفات المرمضن ويجدون لها تفسيرات، ولكنهم لا يفعلون الشيء نفسه مع وكال رمضان، الذي يعفي المجتمع من ترمضينته ويريد أن يكون أكثر إنتاجا! - الأكل حق من حقوق الإنسان، وحرمان وكال رمضان من هذا الحق يجعل المغاربة يستحقون نعت اللاتسامح والشمولية، لأنهم يفرضون معتقدهم على الآخر! ونحن نرد على هذا الهراء بما يلي: - أن ينعت كائن من كان شهر رمضان باللاتسامح، ويجعل ذلك عنوانا لافتتاحية مجلة، معناه أنه يرمي الإسلام جملة وتفصيلا بهذا النعت القدحي، لأن رمضان ركن من أركانه، وكلام من هذا القبيل لا يعدو أن يكون صاحبه جاهلا بحقيقة هذا الدين العظيم، فيكون التعلم في حقه من أوجب الواجبات وإخفاء جهله وعدم نشره على الملأ من باب معرفة المرء بقدره وحقيقة نقصه! - أن ينعت المغاربة باللاتسامح، لأنهم ينظرون باستغراب لوكال رمضان ويقولون عنه الله ايستر وقد يسقط من أعينهم أو يعتبرونه منحرفا تافها أو يتمتمون الله يعفو مع احتفاظهم بهذه المعاني في نفوسهم ونظراتهم لا يتجاوزونها إلى ما سواها من أساليب الإيذاء اللفظي أو الاعتداء المادي، فهذا أيضا حقهم وهو حق التعجب أو حق الاستغراب! ولا يوجد في المواثيق الدولية ما يمنع ذلك، إذ كل فعل مستغرب أو مستقبح أو مسترذل أو مستنكر أو مستبشع في ثقافة شعب من الشعوب يولد رد فعل طبيعي، يتراوح بين الاستغراب والتعجب والاستقباح والاسترذال والاستنكار والاستبشاع! ومادام أكل رمضان يدخل في ما يعرف المغاربة من حقائق دينهم، التي لا خلاف حولها، أنه فسوق وعصيان وأنه من أكبر المعاصي حين يكون عمدا، فلا يمكن إلا أن يمنحوا حقهم الطبيعي في النظر إلى مرتكب هذه السلوك الشاذ في مجتمع المسلمين على أنه نوع جنون (ليس على المجنون صيام) أو ضربة الله التي تصيب المجاهر بالمعصية (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)! والمغاربة ليسوا، في الاستقباح الزائد عن الحد لما ليس من مألوف عاداتهم واجتماعهم البشري، بدعا من الناس! أرأيت كيف قامت فرنسا بهيلها وهيلمانها إلى قطعة قماش تحملها فتيات صغيرات فمارست حق التعجب والاستبشاع وسنت قانونا يعبر عن هذا الحق بأسلوبها الخاص! - الفرق بين المرمضن و وكال رمضان واضح لا غبار عليه: فالأول يؤدي الفريضة ناقصة بعيدة عن معانيها ضعفا أو جهلا، وبالتالي فهو أحوج إلى الشفقة منه إلى شيء آخر. وأما الثاني فيهدمها من أساسها كفرا بها أو استخفافا، والمغاربة عقلاء يميزون بين الأمرين جيدا، ولا مجال للخلط باستدعاء الحكاية البورقيبية القديمة لرفع وتيرة الإنتاج ما دام الكسل طبعا عالمثالثيا سواء تعلق الأمر بالكسل الفكري نموذج نسبة اللاتسامح لشهر التسامح بامتياز أو العضلي الذي يتذرع به بعض وكالين رمضان! - الأكل حق للإنسان نقول : وللحيوان أيضا! وليس هناك من ينكر هذا الحق، وإنما جاء الصيام ليصنع مجتمعا إنسانيا يسمو عن حيوانيته، ويشتغل على تنمية قواه الروحية حتى يخرج من رمضان أكثر إدراكا لمسؤولياته تجاه ربه ونفسه والحياة من حوله! خلاصة القول، أنه عندما يفرح المغاربة برمضان وتبلغ فرحتهم عنان السماء، فتكون هذه المظاهر الرائعة والمشاهد الحيوية الجميلة، حيث تمتلئ المساجد بالأطفال والنساء والرجال، ويؤوب الناس أوبة جماعية مدهشة لتلاوة القرآن والصلاة والتزاور وإخراج الصدقات والإحسان إلى المحتاجين وكف الأذى والحرص على عدم إفساد صيامهم بكل عمل سيئ. فيرى أثر ذلك في المجتمع طهارة في الشوارع من مخازي التسكع وانعدام التدخين في المرافق العمومية إلى غير ذلك من مظاهر الانضباط الاجتماعي النبيل، الذي تعجز عن إحداثه أجود وأرقى القوانين، عندما يكون ذلك كله ثم تكتب عين عميت عن رؤية هذا الجمال الرمضاني مقالة في الدفاع عن وكالين رمضان فلا نزداد إلا يقينا بأن العلمانية المتطرفة في محنة حقيقية، وهي جنينية كما يقول عنها صاحب المقالة، لكننا نبشره، بأنها كذلك بالفعل وستولد معاقة بحول الله لا تستجيب لمعايير الاندماج في نسيج ثقافة الشعب المغربي الطيب المتسامح المؤمن بالله والملائكة والكتاب والنبيئين واليوم الآخر! ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور! الحبيب شوباني