الدكتور إدريس السغروشني، باحث لساني، وأستاذ جامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، كاتب سياسي، صاحب نظرية لغوية في مجال الصرف، تسمى انشطار الفتحة. في هذا الحوار، الذي أجري معه على هامش اليوم الدراسي حول اللغة العربية لغة العلم والتقانة في التعليم العالي، يؤكد السغروشني أن العربية لغة دين وأمة وليست لغة دولة، داعيا المجتمع السياسي والمدني إلى إيلاء القضية ما تستحقه لأنها مصير الأمة وسبيل تقدمها. أستاذ السغروشني، كيف يمكن تفعيل التعريب في الجامعة المغربية؟ مسألة التفعيل هي مسألة قرار سياسي، إذ الإنتاج العلمي عندما يتراكم في المجموعات الباحثة، وإذا علمنا أن المجموعات الباحثة جهة غير منفذة، فإن القرار السياسي هو الذي يفعل ما وصلت إليه هذه المجموعات المهتمة بأبحاث اللغة، وهذا إذا تم، فهو في صالح الأمة ورقيها وتطورها. ما هي أوجه تدخل المجتمع المدني في الدفع بقرار تفعيل التوصيات والقرارات؟ المجتمع المدني يجب أن يكون متجاوبا مع ما يقع في المجال العلمي والمجموعات الباحثة، وإلى حد الآن المجتمع المدني منصرف إلى قضايا اجتماعية محضة، لا يخرج عنها، ولا يتوقع شيئا، ولا نظرة له عن المصير لكي يتموقع في المستقبل. ولكن ما يؤسف له أن المجتمع المدني يساهم في الأحداث، ولكنه لا يساهم في الرؤية بالنسبة لمصير هذه الأمة، لو كان يفعل ما يجب أن يفعل الآن، ويتهيأ لمصير الأمة لانشغل بمشكل العلم والبحث العلمي لرفع الأمة من الناحية المعرفية، ولا أظن أن هذه هي انشغالاته الآن. بالنسبة للغة العربية هل هي فعلا مؤهلة لتكون لغة علم؟ كل لغة تكون مؤهلة إذا أراد أهلها أن يؤهلوها، كنت قلت من قبل في لقاءات علمية سابقة، إن التخلف ليس في اللغة ولكن في الذات، وهذا نراه، كما أشار الأستاذ الفاسي الفهري، (في إشارةإلى كلمة افتتاح اليوم الدراسي)، في الأمم الصغيرة التي تؤهل لغتها لتصبح قادرة على أن تعبر على كل شيء، ولنأخذ العبرة من اللغة العبرية، التي أهلها من يريد أن يحييها، وأصبحت تتعامل الآن مع كل المجالات العلمية، ومنها يصدر العلم والبحث، والناس الآن تتهافت عليها لتعرف ما عند هؤلاء. وفي كل مرة نضع هذا المشكل: هل اللغة مؤهلة؟ والمشكل ليس في اللغة ولكن المشكل في الأدمغة. من مؤلفاتكم اللغوية نظرية انشطار الفتحة، لو تفضلتم ببيان المقصود من هذه النظرية؟ هي نظرية في مجال الصرف تمكن من التعرف على تكوين القوالب الصيغية في اللغة العربية، وتساهم في حل كثير من المشاكل التي استعصت على النحاة من قبل، مثل أن جزءا من اللغة العربية في التحليل القديم كان يعتبر سماعيا، اليوم هذا الجزء السماعي متحكم فيه ويمكن أن يقاس. في لقاءات علمية ذكرتم أن اللغات تحيا وتموت كيف ذلك؟ كل لغة بأهلها تحيا وتموت، فاللغة اللاتينية ماتت لأن أهلها انقرضوا، لكنها كانت لغة مكتوبة، فبقيت بآدابها وحضارتها، ولكن هناك كثيرا من اللغات في المجتمعات الشفهية التي لا تراكم المعرفة ماتت لغتها، لأن تراكم المعرفة ميني على وجود الكتابة، فحضارتها هي ما يمكن أن يحتفظ به الراوي، والذاكرة لا تقدر على حفظ الكثير وهذه المجتمعات الشفهية وتيرة التقدم فيها بطيئة لانعدام مرجعية لديها، وتراثها هو ما تلوكه من أمثال وعادات وتقاليد ثم ينتهي أمرها. أما المجتمعات التي لها كتابة فهي تستطيع أن تراكم، وتتقدم على ضوء ما تراكم لديها، وتسير إلى الأمام. فاللغات تموت عندما تنقرض المجموعة الشفهية ولا تحيا، وإذا كانت المجموعة لديها الكتابة تبقى حاضرة رغم موتها، فاللغة العبرية القديمة ماتت، ولكن لأنها مكتوبة فقد استطاع أصحابها أن يحيوها. واللاتينية أيضا ماتت، ولكنها ما تزال تدرس في المعاهد لدى الأمم اللاتينية لأنها تعتبر خلفية لهم. وتبقى اللغة حية بقدر نشاط أهلها وقدرتهم على الحفاظ عليها. ما هي الآمال التي تعلقونها على مثل هذا اللقاء الدراسي حول وضعية العربية في العلوم والتقانة؟ أرجو أن يعود الناس عن غيهم، ويتراجعوا عن الأحكام التي كانوا يصدرونها بكيفية عفوية، وهي غير ناضجة، لاعتبارهم أن اللغة يمكن أن تحرك الأمة، والعكس هو الذي يقع، فالأمم هي التي تحرك اللغة. فهناك مجموعة من الأحكام التي يعيش عليها الناس ولا صحة لها علميا، أتمنى، بعد استماع الحضور لما يقوله الخبراء أن يعود الكثيدون عن غيهم عن غيهم ويلتزموا بإحياء لغتهم، وإعطائها مكانتها. فاللغة العربية ليست قاصرة على المغرب، فأن تموت في المغرب أو تحيا، فهذا لا ينبني عليه حياة اللغة العربية، فالمغرب جزء من مجموعة تتحرك باللغة العربية، ونعرف الآن أن اللغة العربية أخذت مكانتها في الهوائيات والتعاملات العالمية، وبهذا يصبح موقف المغرب مخجلا، وفي الحقيقة مضحكا، لأنه يظن أنه مؤتمن على اللغة العربية، إذا ما تقدم بإحيائها ستحيا، وإذا ما تأخر عنها ستموت، فهذا خطأ، لأن اللغة العربية لغة دين، ودين يفوق عدد أتباعه مليارا من الناس، وهي لغة أمم، وإن لم تكن في مستوى الأمم المتقدمة، إلا أنها تقوم بمجهود إنمائي لا بأس به، وبهذا لا خوف على العربية ولو تخلى عنها المغاربة.