تعاني المقابر في المغرب من الاكتظاظ وقلة العناية والاهتمام، وتعرف نقصا حادا في المساحات المخصصة للدفن، فضلا عن امتلاء العديد من المقابر خاصة المتواجدة بالمدن الكبرى، وعدم توفر أخرى في المدن المحدثة حديثا، بالإضافة إلى الإهمال الذي يطال المقابر التي تحول بعضها إلى أماكن لممارسة الشعوذة والرذيلة وملجأ للمتشردين والمدمنين. وفي مقابل النقص الحاد في المساحات المخصصة للدفن و الإهمال وقلة العناية، تطفو إلى السطح بعض الممارسات التي تتسم ب"الإسراف" في تجهيز المقابر خصوصا بالنسبة الأسر الميسورة، حيث أصبحت الأسر تحجز مساحات مهمة تجهزها وتعددها على شكل مقبرة أسرية. مقابر الرباط على وشك الانفجار مشاعر الغضب والامتعاض تعتلي "سعاد" كلما قصدت مقبرة الشهداء لزيارة والدها المدفون هناك، حيث حكت السيدة في لقاءنا معها قرب مقبرة الشهداء، أنها في كل زيارة للمقبرة تلاحظ ارتفاع عدد صفوف القبور التي أصبحت متداخلة في ما بينها، حتى كادت تفقد أثر قبر والدها، فبين اختلاف الأسماء وتواريخ الدفن، تبحث "سعاد" عن قبر والدها الذي تغيرت ملامحه مع مرور الزمن. وتؤكد المتحدثة أن على المسؤولين غلق مقبرة الشهداء التي امتلأت وأصبحت ضيقة بموتاها، ولم يعد هناك مكان لأموات جدد، وتضيف أنها لاحظت منذ بداية ترددها على المقبرة قبل أزيد من أربع سنوات أن أكبر مقبرة في العاصمة الرباط تعاني من الإهمال وعدم الاهتمام، حيث أن نباتات العشوائة غطت القبور، وتحولت إلى مكان للنفايات وملجأ للمتشردين. من جانبه، أكد أحد الأشخاص الذين يشتغلون في المقابر لكسب لقمة العيش عن طريق تلاوة القرآن للأسر المكلومة التي تقصد المقبرة لزيارة موتاها في تصريح ل"جديد بريس"، على أن المقبرة امتلأت عن آخرها وأصبح من الصعب وجود مكان فارغ للدفن، مضيفا أن الأسر التي تقصد المقبرة تجد صعوبة في إيجاد قبر ذويهم نظرا للتغير المستمر لخريطة المقبرة. ويرجع سبب الاكتظاظ الذي تعرفه مدينة الرباط كسائر المدن المغربية، إلى نقص حاد في العقار حسب دراسة سابقة قام بها المجلس الوطني لحقوق الانسان، حيث تتشابك خيوط المتدخلين في القطاع، فنجد تدبير قطاع المقابر لا يقتصر فقط على سلطات الولاية والجماعة الحضرية، بل تتدخل فيه أيضا وزارة الأوقاف و الوكالة الحضرية التي تقترح الأماكن الصالحة لإنشاء المقابر حسب تصميم التهيئة الذي تهيئه بتعاون من الولاية. وحسب أرقام الجماعة الحضرية للعاصمة الرباط، فان مقابر الرباط على وشك إغلاق أبوابها، فباستثناء مقبرتي حي الرياض ذو الكثافة السكانية القليلة نسبيا، ومقبرة شالة الخاصة بدفن سكان تواركة، دخلت كل المقابر الأخرى مرحلة الأزمة، وهي المقابر الأربعة الرئيسية في العاصمة (مقبرة الصديق في الحي الصناعي والمجاورة لأحياء التقدم والنهضة الآهلة بالسكان، ومقبرة الشهداء المعروفة بكونها كانت المدفن الرئيسي لسكان الرباط منذ عقود مضت). المقابر المغربية تعيش أزمة حقيقية كشفت دراسة قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في وقت سابق حول مقابر المسلمين، أن المقابر المغربية تعيش أزمة حقيقية، حيث أن الأسر المغربية تعيش معاناة شديدة من أجل الحصول على قبر، في ظل إغلاق بعض المقابر أبوابها في وجه المواطنين بعد أن امتلأت عن آخرها. وأضافت الدراسة أن الجهات المسؤولة عن المقابر في المغرب أمام امتحان البحث عن أماكن أخرى للدفن خارج المدار الحضاري، لتلبية حاجيات المواطنين، مبرزة أن هذا المطلب غير مندرج حاليا في جدول أعمال المجالس المسيرة للمدن المغربية. وأكدت الدراسة الميدانية أن معظم المقابر التي أجريت عليها الدراسة، تعاني من مشكل النظافة والصيانة، حيث تتعرض للإهمال وتهدم بعض جدرانها التي تتصدع بسبب عوامل مختلفة، كما تتعرض لانتهاك حرمتها بتحويلها إلى مزابل حقيقية، مما يؤدي إلى تحلل النفايات بفعل حرارة الشمس وانبعاث روائح كريهة تضر بالصحة وتسبب مضايقات للوافدين لزيارة المقبرة. وحملت الدراسة الجهة مسؤولية النظافة وصيانة المقابر للمجالس المحلية و مصالح مندوبيات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مسؤولة التي تعتبر مسؤولة عن حماية حرمات المقابر ضد الاعتداءات والإساءات من الناحية المعنوية الأخلاقية على اعتبار إشرافها الرسمي على تدبير الشأن الديني. وأردفت الدراسة أن وزارة الأوقاف مسؤولة عن تدبير إشكالية إعادة استغلال المقابر القديمة من جديد، وتدبير وعاء عقاري يحتضن مقابر جديدة على الرغم من الميثاق الجديد المنظم للجماعات المحلية والذي وضع عملية تدبير شؤون صيانة المقابر باعتبارها مرفقا عموميا تحت تصرف المجالس الجماعية، كما أيضا حملت الدراسة المسؤولية لوزارة الثقافة باعتبارها الجهة الوصية على المآثر والمعالم التاريخية من جملتها القبور. وأشارت الدراسة إلى أن المقابر تعاني من ضعف التجهيزات، حيث يبرز ذلك من خلال مشكل التزويد بالماء والكهرباء، وأيضا مشكل التسوير، فمعظم المقابر تعاني من قصر ارتفاع أسوارها، التي تتلاشى معظم أجزائها، كما تطرقت الدراسة إلى غياب حراس قارين للمقابر، فمعظم الحراس يعيشون على صدقات الزائرين المحسنين، فيما رصدت غياب تنظيم حفر القبور وتهيئتها.