في الحلقة الماضية تحدث لنا بلقاسم السهلي عن طفولته، وعن الظروف التي انتقلوا بها إلى العراق. وفي هذا الحلقة يحدثنا عن تجربة الحروب التي عاشها وهو في العراق، كما يصف لنا لقاءه بصدام حسين، والأحاسيس التي خلفها في نفسه نبأ اعتقاله، والصورة البئيسة التي ظهر بها على شاشات التلفزة. يحكي بلقاسم بشجون عن حياة العراقيين وأسرته بمدينة الكوت- خاصة إبان حرب الخليج الأولى- فيقول بصوت متحسرا عندما تتوالى الغارات الجوية والحملات العسكرية لا يندفع المواطن العراقي إلى الملاجئ للحماية فقط، بل يأوي إلى الملاجئ أيضا للقراءة والمطالعة وحضور الندوات، كما يذهب أيضا إلى دور السينما.فعندما تدخل إلى السينما وتنطفئ الأضواء، ينبعث شعاع الشاشة الكبيرة وتشعر بالأمان، وتتوهم لببضع ساعات أنك في مأمن من الصواريخ، مع العلم أننا كنا نتنفس ونستنشق هواء القنابل وهدير الصواريخ من فوق رؤوسنا. ويتذكر بلقاسم أحد الصواريخ التي سقطت بالقرب من ملعب لكرة القدم كان يخوض فيه مع زملائه مباراة آمنة. يقول السهلي بعد توقف الغارات، وفي فترة 45 يوما التي قضيتها مع أسرتي، كنا نلعب كرة القدم والطائرات الأمريكية تحوم في السماء من فوقنا.. كنا لا نبالي بها اعتقادا منا أن الأمريكان لا يقصفون لاعبي كرة القدم..كنا نقول في أنفسنا، نحن نلعب فقط الكرة كما يلعب الأمريكان بالصواريخ والقنابل مع الشعب العراقي المسكين. غير أنهم نجوا بأعجوبة من شظايا صواريخ سقطت بالقرب منهم وهم يلعبون، ومازال صوت انفجارات تلك الصواريخ تدوي في آذان بلقاسم حتى الآن. في العراق، لم يكن ليشعر بلقاسم بالأمان حتى يفكر في مستقبله، كل ما كان يشغل باله هو دراسته الجامعية التي يعتبرها مهربا من الحرب وسنوات الحصار. بعد حصوله على الماجستير من كلية الإعلام بجامعة بغداد بميزة جيد جدا،عمل الأستاذ بالقاسم السهلي بالتلفزة العراقية بالقسم الثقافي، أين صقل السهلي مواهبه وعمق تجربته. غير أن هذه التجربة لم يكتب لها أن تستمر بسبب الحرب، وبسبب استمرار سنوات الحصار الطويلة التي أنهكت المواطن العراقي حتى فقد الأمل. يقول الأستاذ بلقاسم السهلي عن شخصية صدام الذي استقبله مرتين ضمن وفد الطلاب العرب بالعراق استدعيت لأحضر استقبالا رسميا كممثل عن الطلاب المغاربة، حيث كنت أمام شخص رهيب، صافحني وسلمت عليه. فشعرت بخشونة يديه، إنه يسلم عليك بشكل غير عادي، بل يضغط على أصابعك وكأنه يقول كن قويا. لم أجرؤ على النظر في عينيه، فانحنيت برأسي لأركز النظر في يديه الخشنتين، وعليها ثلاثة خالات سوداء اللون. عندما رأيته مشهد اعتقاله على شاشة التلفاز، تأكدت أنه صدام حسين..أعادتني الذاكرة لصورة يديه، فخفق قلبي ، وقلت هذا هو صدام حسين. وفي مقابل ما عرفت عن شخصية صدام الغول، فقد كان يعبر للمغاربة عن حبه الشديد، وكان يقول لنا أنتم الجناح الثاني للأمة العربية الإسلامية: العراق جناحها الأول، والمغرب جناحها الثاني. إعداد: محمد لعتابي