من مفارقات الزمن الغريب أن ننتظر إذاعة توجد خارج أضلعنا لترفع شعار الوحدة العربية التي ينخرها الشتات والتفرقة.. ومن المفارقات المحزنة أن تركب هذه الإذاعة على شعارات رم الصف العربي والإسلامي، التي لطالما عشنا حلمها كبرق سحابة لم تمطر، فتغدو حاملة لمشعل هذا الحلم، عازفة على وتره لتحقيق غايات مدروسة ونيات مبيتة.. الحديث هنا عن الإذاعة الأمريكية سوا التي حرص أصحابها على العزف على الوتر المذكور منتهجين في ذلك سبيلا تواصليا أريد له أن يشمل جميع أقطار المنطقة العربية من خلال العمل على بث برامجها على مدار الساعة بعدة لهجات عربية محلية من مصر والسودان والعراق والسودان والشام ودول الخليج ودول المغرب العربي. وفي سياق هذا النهج التواصلي، تزيد هذه الإذاعة في العزف على وتر الوحدة العربية البائدة بتبطين ذلك في شعاراتها ذات المسحة الرمزية، من قبيل: إذاعة سوا من المحيط إلى الخليج.. الواضح إذن أن الإذاعة الأمريكية أرادت من باب الحق الذي يرجى من وراءه باطل أن تبني نجاحها من حيث فشل العرب في إخراج أسطورة اسمها الوحدة إلى الوجود، والحق أن الإدارة الأمريكية تستغل الاهتراء الذي أصاب الجسم العربي فتنفذ إليه بإعلامها في محاولة لتطبيع القيم العربية الإسلامية على طبعها وتذويب هوية العرب في القالب الأمريكي الماسخ. بالمقابل نظل نحن العرب في موقف المتفرج على اختراق إعلامي يرتدي حلم الوحدة وشاحا ويخفي تحت الوشاح نيات استهداف القيم والمبادئ، دون أن تنطلق منا المبادرة في لم الشمل ولو بسبيل الإعلام الذي أصبح له الدور الاستراتيجي الهام في تعضيد لحمة التكتلات الدولية. وحتى بعض المشاريع التي طالما سمعنا عنها بخصوص إطلاق قنوات تلفزية تجمع بين العرب والمسلمين جميعا صارت أساطير بعينها.. تبخرت بدعاوى نقص الإمكانيات والحقيقة أن النقص كامن في الإرادة لا غير وغلبة الأنانية الفردية، وهو ما يستشف في ضخامة القنوات التي أسستها دول عربية لا لشيء إلا تنافسا وتسابقا بين هذه الدول.. أمام هذا الاختراق الإعلامي الأمريكي الواضح المعالم والسياسة تبدو من دون مناص ضرورة العودة إلى التفكير في المشاريع الوحدوية، خاصة منها ما تعلق بميدان الإعلام، حفاظا على القيم والمبادئ الذاتية التي نصبت إذاعة سوا وغيرها كثير من وسائط الإعلام الغربية نفسها لإقبارها ومواجهتها. يونس السلاوي