أبرز السيد بشير راشدي أن ظاهرة الرشوة لم تعد خافية عن أحد، وأن ما ينبغي فعله والتأكيد عليه هو كيفية معالجة مشكل الرشوة الذي يهدد الاقتصاد الوطني، ويضعف الاستثمار الأجنبي بالبلد، ويحرم المواطن من حقوقه وواجباته. وأبرز السيد راشدي أن الإدارة الإلكترونية من شأنه أن يحاصر هذه الظاهرة. وفي هذا الحوار نحاول أن نضع الأصبع على هذا الداء العضال الذي أصاب الجسد المغربي محاولين إبراز بعض المقاربات عند ترانسبارنسي المغرب لمعالجة المشكل واجتثاثه، ثم نظرة راشدي للرشوة الكبيرة والصغيرة الأستاذ بشير راشدي، ما مدى صدقية التقارير الوطنية والدولية حول آفة الرشوة بالمغرب؟ حاليا لم يعد يخفى عن أي أحد تواجد ظاهرة الرشوة في المغرب، التقارير لا تأتي إلا لتأكيد واقع معروف ومعاش، وتعطي منظورا لهذه المنظمات، وأظن أن أهم ما في المسألة ليس هو ما تأتي به التقارير، بل ما الذي نقوم به من أجل محاربة هذه الآفة، والخروج من الوضع الذي وصلنا إليه نتيجة الرشوة. والسؤال حاليا هو: هل عندنا رشوة؟ فمما هو متعارف عليه لذا الجميع أن الرشوة متواجدة وبكيفية كبيرة، وما ينبغي التحدث عنه بدقة ووضوح هو كيفية المعالجة وما الأسباب التي تجعل الرشوة متفاقمة بالمستوى الذي عليه الآن. ما السبل الواجب اتباعها لمحاربة ظاهرة الرشوة؟ هل السبل القانونية كافية لمحاربة الظاهرة، مثل ما أقدمت عليه وزارة النقل والتجهيز بمكننة الامتحانات النظرية لرخصة السياقة؟ الرشوة موجودة في جميع القطاعات، ليس في قطاع النقل وحده، ونحن عندما قمنا بالتحقيقات أزيد من سنة تبين أن ظاهرة الرشوة تمس جميع القطاعات بدون استثناء؛ والإجراءات الواجب اتباعها للحد من خطورة الرشوة هي إجراءات متعددة، ولا يمكن المراهنة على إجراء وحيد لمحاربة الآفة؛ فالإجراء الذي أتت به وزارة النقل، هو إجراء جاد، لكن ينبغي وضعه في إطار استراتيجية متكاملة، وتحدثت عن الإجراء القانوني في سؤالك. ونحن في السنة الفارطة وضعنا اليوم الوطني لمحاربة الرشوة تحت شعار: لا للإفلات من العقاب، وتطبيق القانون على الجميع، وهذه السنة نظرا للدور الجوهري الذي ينبغي أن يلعبه القضاء، وتطبيق القانون، كجانب أساسي لمحاربة الرشوة، أعطينا استمرارية لشعار السنة الماضية، ووضعنا اليوم الوطني الثامن الذي يحمل شعار سيادة القانون أساس محاربة الرشوة. هذه بعض المجالات التي ينبغي أن ننهض بها لنتمكن من محاربة الرشوة؛ لكن لن تتراجع الرشوة إن لم تكن عندنا استراتيجية ومقاربة متكاملة لكن مكون من مكونات المجتمع يقوم بدوره، وننخرط جميعا في إرساء أسس نظام وطني للنزاهة. السنة الماضية وضعتم شعار: لا للإفلات من العقاب هل يمكن فهم هذه المحاكمات التي جاءت فيما بعد، والآن قضية الشمال والمخدرات التي أثارت انتباه الرأي العام، والحديث عن تورط عدد من القضاة، هل يمكن فهم هذه المتابعات القضائية أنها ثمرة للمجهود الذي قامت به ترانسبارانسي؟ نحن لا نعتبر أن عمل الجمعية هو أساس التقدم، نحن نعتبر الجمعية مكونا يساهم في نقاش المشكلة، ويقوم بدور التحفيز والمطالبة بمعالجة الآفة؛ إذن هل هذه المحاكمات نتيجة عمل الجمعية؟ أظن أنه لا يمكن أن نعتبر أن عمل الجمعية هو الوحيد الذي يساهم في تقدم هذه المشكلة؛ فهناك معطيات متعددة، وأظن أننا نساهم إلى حد ما في هذا العمل، ولسنا الطرف الوحيد الذي يتقدم في المعالجة. هناك بعض الملفات لا يوجد وضوح في تقدم معالجتها، وبالتالي يبقى إحساس بعدم الرضى عند المواطن نظرا لانعدام الوضوح، فضلا عن غياب إعلام متكامل حول هذه الملفات ليطمئن على سيادة القانون، وهناك مساواة أمام جميع المواطنين، وأن كل مواطن يمكن له أن يواجه القانون بنفس الكيفية، ونظرا لانعدام تغطية كاملة لهذه الملفات؛ فأظن أن الإحساس العام هو أن الإفلات من العقاب هو القاعدة، وهذا الإحساس ناتج كذاك أن المؤسسة التي تعالج الملفات، وملفات الرشوة بصفة عامة هي مؤسسة استثنائية، ولا توجد معالجة في إطار عام تضمن متابعة من قبل الدعاية العامة، وبكيفية مباشرة. كيف تقيمون محاربة الرشوة بين حكومة التناوب، وحكومة إدريس جطو؟ أظن أنه يصعب المقارنة، وإذا أردنا القيام بهذه المقارنة، يمكن القول أن عهد حكومة التناوب كان الإعلان والتصريح بمحاربة الرشوة تصريحا واضحا، وتم التأكيد عليه مرارا، لكن على المستوى العملي لم يكن هناك تقدم، ولم تكن هناك إجراءات كالتي كنا ننتظرها واضحة يمكن اتخاذها على المدى القصير، كانت لجنة قد كونت وساهمنا فيها. وفيها وزير الشؤون العامة، وكان برنامج قصير المدى. كنا نعتقد أنه سيؤدي بنا إلى مرحلة أولى ثم ننتقل إلى مرحلة ثانية من التطبيق، وإظهار النية في محاربة الرشوة؛ ولم يكن التطبيق العملي لهذه الإرادة، وفي الحكومة الحالية نفتقد لتصريح واضح عن برنامج محاربة الرشوة، وأنه لا يوجد إطار تنسيق بين السلطات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني ليمكننا من أسس برنامج عملي لمحاربة الرشوة. في نظركم، هل هناك فرق بين رشوة صغيرة، ورشوة كبيرة؛ رشوة يتلقاها موظف وعون بسيط، ورشوة لموظفين ومسؤولين سامين في الإدارة؟ الرشوة سواء كانت صغيرة، أوكبيرة، عندهما نفس التأثير على تقدم البلاد وتطورها، فهما عائق من العوائق الأولى؛ إن لم نقل العائق الأول لأي تطور للبلاد، لكن نتائج الرشوة الصغرى تمس المواطن البسيط في عيشه، وتمس المواطنة في حد ذاتها بأن لا يحصل المواطن على حقوقه، والخدمات التي عنده الحق فيها بكيفية عادية، وعندما نتحدث عن الرشوة الكبرى فعندها انعكاسات اقتصادية كبيرة وخطيرة لا تجعل الاستثمارات تتقدم في القطاع المتقدم، ولا تجعل هذه الاستثمارات تساهم في القيمة المضافة، والتي تنبني على مقدرة المقاولات لدخولها للمنافسة، فالرشوة الكبرى والصغرى سيان، وكلاهما عائق في وجه التطور. في 10 دجنبر الماضي وقعت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة اتفاقية مع وزارة التربية الوطنية والشباب لمحاربة الظاهرة والتعريف بها. فهل في نظركم أن العمل على هذه الواجهة (عقد اتفاقيات مع قطاعات معينة) من شأنه أن يحسس بهذه الظاهرة ومحاربتها، وهل حاليا تقتصرون في العمل مع هذه الوزارة أم عندكم استراتيجية مستقبلية للعمل؟ العمل داخل المؤسسات التعليمية عنصر أساسي في أي استراتيجية لمحاربة الرشوة، لأنه يمكن من إدخال أسس نظام النزاهة في البداية، ويتشبع به أي طفل وشاب سيكون إطارا للبلد في المستقبل؛ وهذا القطاع استراتيجي لمحاربة الرشوة، والاتفاقية تضع إطارا يمكننا من العمل بكيفية واضحة، ويسهل العمل والنسيق مع جميع الجهات، والأكاديميات، والاتفاقية ليست أول خطوة مع وزارة التربية الوطنية والشباب، فمنذ 1999 ونحن نشتغل مع هذه الوزارة وقمنا بحملات تحسيسية، وأعمال مع التلاميذ وأطر الوزارة، والاتفاقية تأتي لتعطي الانطلاقة لعمل متكامل، ويذهب إلى حد إدخال برامج محاربة الرشوة في البرامج التعليمية للوزارة، وجانب آخر تتضمنه الاتفاقية يتعلق بتطوير النزاهة في تسيير الوزارة ومرافقها. في برنامجكم لهذه السنة ستقومون بأيام مفتوحة يوم 10 يناير، ما هي خصوصية هذا اليوم المفتوح؟ الأيام المفتوحة هدفها هو التركيز على الإجراءات العملية، والقطاعات التي ينبغي أن تكون فيها إجراءات عملية وواضح العمل فيها، وهذه الأيام تمكن النقاش مع جميع المكونات والأطر التي ستعمل في إطار محاربة الرشوة للخروج بنظرة واضحة في هذا القطاع؛ مثلا المواضيع التي سنطرقها يوم 10 يناير موضوع العدل، والخصوصية ونظرة الجمعية، والنسيج الجمعوي لمحاربة الرشوة في القطاع، سواء تعلق بمؤسسة محكمة العدل الخاصة التي نطالب منذ سنين بإلغائها وتكوين القضاة في محاكم خاصة، وليس في محكمة استثنائية لأجل معالجة كل القضايا المتعلقة بالمشاكل المادية؛ ثم سنتحدث عن المساطر والقوانين التي يمكن أن نطعم بها محاربة الرشوة. فهناك قانون لمحاربة الرشوة في حد ذاته، وهناك قوانين تسمح بحماية ضحايا الرشوة والمنددين بها، لأنه حاليا لا يوجد إطار قانوني يحميهم. ثم موضوع كيفية استعمال الإدارة الإلكترونية في التمكين من الشفافية أكثر للوصول إلى الخدمات للمواطنين والمقاولات، ثم تقييم للوضعية التي نعيشها. حاوره عبد الغني بوضرة