لا تخرج عملية دمشق التي استهدفت أحد قادة حماس، المجاهد البطل عز الدين الشيخ خليل عن الإطار العام لعمليات الاغتيال التي طالت العشرات من القادة السياسيين والعسكريين لقوى المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، والتي كانت تهدف إلى كسر إرادة تلك القوى، ومن ورائها الشعب الذي يمدها بخيرة أبنائه من أجل مواصلة المسيرة. وإذا كانت العمليات المشار إليها، على كثرتها وتنوعها الاستثنائي وغير المسبوق خلال انتفاضة الأقصى، لم تنجح في تحقيق المطلوب، فإن العملية الجديدة لن تكون مختلفة بحال، لأن حماس التي واصلت تألقها النضالي رغم تمتعها بالكم الأكبر من عمليات الاغتيال، وبخاصة في صفوف القادة، لن تنكسر إثر استشهاد قائد جديد من قادة الخارج، أكان عز الدين الشيخ خليل أم أي أحد آخر، بما في ذلك رئيس مكتبها السياسي الذي يهدد بالقتل يومياً، في محاولة للإيحاء بأن الحركة التي فقدت الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي في غضون أسابيع لن تلبث أن تنتهي بضرب قيادة الخارج، سيما رمزها الأول. شارون يمارس ما وصفه أحد الكتاب الإسرائيليين بسحر الأزعر القاتل الذي يسعى دائما إلى إقناع الشارع الإسرائيلي بأنه الأزعر الذي يمكنه الانتقام ممن يريقون دم الشعب اليهودي من دون تردد. أما واقع الحال فهو أن الغطرسة هي التي تعمي هؤلاء عن قراءة سيرة الشعب الفلسطيني في الانحياز للشهداء والسير على دربهم، وعن التمعن في سيرة قوى المقاومة التي تنهض كلما استشهد رمز من رموزها أو اعتقل. من المؤكد أن اغتيال عز الدين الشيخ خليل يشكل نقلة مهمة في المعركة، أقله خلال انتفاضة الأقصى، لكن ذلك لا ينفي أن اغتيال جهاد جبريل كان جزءً من هذه اللعبة ومعها عمليتا الاغتيال التي طالت اثنين من كوادر حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت بحجة اتصالاتهم ودعمهم للمقاومة الفلسطينية. يبقى الفارق بين الحالتين ممثلاً في ساحة العملية التي نفذت في دمشق، الأمر الذي يمنحها فرادة خاصة، ليس لجهة المحاولة، لأن محاولات كثيرة غير ناجحة قد سبقتها، ولكن لجهة النجاح في بلد له قدراته الأمنية المميزة، الأمر الذي يشكل ضربة سياسية وأمنية في آن معاً، سيما وهي تأتي بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، والتهديدات الأمريكية الإسرائيلية المتواصلة بمعاقبة سوريا على مواقفها في الملفين العراقي والفلسطيني. في هذا السياق تنهض قصة الرد، وهل سيكون في الداخل أم في الخارج، وهو الجانب الذي جرى التركيز عليه خلال الساعات التي تلت العملية الجبانة. وهنا ينبغي التذكير بأن مشهد ما بعد محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان يبدو مختلفاً إلى حد كبير عن مشهد الاغتيال الأخير في دمشق. ولعل الفارق الأساسي هو في الوضع السياسي الفلسطيني والعربي والدولي. فلسطينياً يبدو الشعب الفلسطيني أكثر قوة وعنفواناً مما كان عليه خلال عام 1998 وحيث كان أوسلو لا زال على قيد الحياة ويتحرك بقوة، فيما المقاومة في أسوأ أحوالها. صحيح أن الوضع العربي هذه الأيام يعيش حالة هزال وتراجع استثنائية، الأمر الذي ينسحب على الوضع الدولي ومواقفه من القضية الفلسطينية، لكن الأهم من ذلك كله، وتحديداً في سياق الرد، هو مجيء عملية الاغتيال في ظل حالة نهوض واتساع لفكر وبرنامج المقاومة والجهاد في الساحة العربية والإسلامية، الأمر الذي يجعل إمكانية الرد من جهات "إسلامية" لا صلة لها مباشرة بحماس وارداً إلى حد كبير، سيما وأن حضور الحركة في وعي الشارع العربي والإسلامي هو الأكبر بين مثيلاتها في التنظيمات الإسلامية. لا أعتقد أن القتلة ومن وراءهم في واشنطن قد فكروا في هذا البعد، وإذا فكروا فقد أعمتهم الغطرسة، كما أعمتهم في رحلتهم نحو مستنقع العراق وأفغانستان. وإذا رأى البعض أن الشارع العربي والإسلامي في حال موات لأن المسيرات لا تخرج، فإننا نؤكد أن هناك غضب لم تعد تعبر عنه المسيرات، وإلا فكيف يفسر القوم ما يجري في العراق وأفغانستان والشيشان. خلاصة القول هي أن اغتيال عز الدين الشيخ خليل لن يختلف عن اغتيال من سبقوه من القادة، ومن يقرأ التاريخ يمكنه التأكد من ذلك، لكن طبيعة الزمان والمكان ستجعل الرد مختلفاً حتى لو قالت حماس إن معركتها ستبقى محصورة في الأراضي الفلسطينية. بقي أن نشير إلى مقال اليوم كان مخصصاً لذكرى الانتفاضة لكن الحدث فرض نفسه، فتأجل المقال إلى الغد. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني