الحرب الدائرة في اليمن تقف وراءها أبعاد استرتيجية وتحفها مخاطر حقيقية..اشتعلت الحرب في اليمن بعدما فشلت الأطراف المتصارعة في إيجاد حل سياسي للأزمة الداخلية، وبعدما فشلت جهود الأممالمتحدة في إيجاد مخرج سلمي للأزمة.. الحوثيون اقتحموا العاصمة صنعاء بقوة السلاح مدعومين بقوات الجيش التي يتحكم فيها علي عبد الله صالح بالدرجة الأولى ومساندين بالخلفية الإيرانية التي لا تخفي نواياها التمددية في المنطقة. لم تعد صفقة الشراكة في الحكم تقنع الحوثيين ولم تعد تقنع علي عبد الله صالح الذي أغرته معادلة الانقلاب على المسار الديمقراطي كما حصل في جمهورية مصر العربية، خاصة إذا كانت مدعومة من طرف إيران التي تمتلك رؤية إقليمية واضحة تعبر عن نفسها في مناطق نفوذها في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والآن جاء الدور على اليمن.. وقبل أن يطلب الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور التدخل العسكري الخارجي لحسم صراع سياسي على السلطة في الداخل، فإن المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تسمح لليمن بأن يتحول إلى مصدر تهديد جيوستراتيجي لأمنها القومي بالدرجة الأولى.. إن محاولات التمدد الإيراني في اليمن على يد الأقلية الحوثية لا يمثل تهديدا حقيقيا بالنسبة للملكة العربية السعودية وحدها ولكنه يمثل مصدر إزعاج حقيقي بالنسبة للعديد من الأنظمة العربية في المنطقة.. والنتيجة أن المملكة العربية السعودية ومن ورائها العديد من دول المنطقة تخوض حربا عسكرية لاعتبارات جيو استراتيجية تتجاوز الشأن اليمني الداخلي وتتجاوز الدفاع عن الشرعية الديمقراطية.. الآن نحن أمام واقع يكشف عن محدودية الخيال السياسي العربي وعجزه عن تدبير الأزمات بالطرق السلمية أو تحويل النزاعات.. ليس من أغراض هذه المقالة أن تبحث في مدى مشروعية هذه الحرب، لكن كاتب هذه السطور يؤمن بأن هناك العديد من الطرق والأساليب لتسوية النزاعات قبل اللجوء إلى خيار الحرب كإجراء اضطراري وليس كخيار استراتيجي لتعديل موازين القوى لاعتبارات استراتيجية..لكن، مع صعوبة تفادي خيار الحرب في كثير من الأحيان فإن البشرية راكمت قانونا للحروب هو القانون الدولي الإنساني الذي تكفل بحماية المدنيين والأسرى والمنشآت الثقافية مع التشديد على ضرورة مراعاة التناسب الضروري بين القوة العسكرية المستخدمة والأهداف العسكرية المقصودة. إلى هنا، تبدو الأمور مرتبطة بالحرب كخيار استثنائي، في انتظار الرجوع إلى الأصل في تدبير النزاعات وفي العلاقات الدولية عبر الحلول السلمية والحوار والمفاوضات الدبلوماسية، بين أطراف تمتلك الشجاعة لتقديم التنازلات الضرورية والقبول بأنصاف الحلول.. المشكلة أن الحروب التي اندلعت في المنطقة يراد لها أن تكون تحت عنوان المذهب والطائفة والدين..ما يجري على أرض اليمن وسوريا والعراق ولبنان هو حرب ذو طبيعة سياسية تدور حول السلطة والذين يخططون في طهران أو في الرياض أو في دمشق أوفي واشنطن أو في تل أبيب أو في الضاحية الجنوبية لجعلها حربا طائفية هم في الواقع تجار حرب يبحثون عن وقود لتأجيج نار المعارك التي تخرج عن طابعها السياسي الاضطراري لتصبح حرب إبادة الجميع ضد الجميع.. هناك من يريد من الحرب الدائرة في اليمن أو في غيرها أن يجعلها حربا مذهبية بين السنة والشيعة، وقد تم تجريب هذا الاصطفاف المذهبي في حروب سابقة بين العراقوإيران وكانت النتيجة: حربا بلا نصر للطرفين.. علينا أن نقول بصوت مسموع إن الخلاف السني الشيعي هو خلاف سياسي تاريخي بين مسلمين حول أحقية الخلافة بين علي ومعاوية يعود إلى أربعة عشر قرنا..تطور إلى خلاف في بعض التقاليد والشعائر وفي بعض الأحكام التشريعية وفي بعض المعتقدات أيضا، لكنه اختلاف في دائرة الدين الإسلامي وليس خارجه..ومن يحمل لواء التحريض ضد الشيعة أو ضد السنة هو في الواقع يساهم في التحريض المذهبي والطائفي الذي يندرج في سياق استنزاف طاقة المسلمين وقوتهم.. لقد أقرت وثيقة مكة الشهيرة الصادرة عن أكبر منظمة إسلامية في العالم أن كل من يتبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنة (الحنفي المالكي الشافعي والحنبلي) أوالمذهبين الشيعيين الجعفري والزيدي أوالمذهب الإباضي أوالمذهب الضاهري هو مسلم لا يجوز تكفيره ويحرم دمه وماله وعرضه وماله. الآن وبعد قرون من هذا الخلاف التاريخي المتعب والمنهك، يبدو بأن العقد انفرط من أيدي الجميع وأصبحت لغة الشحن المذهبي والتعصب الطائفي هي اللغة السائدة وهكذا أصبحنا نرهن مستقبل الأمة وأحلامها في التقدم والنهضة في حروب استنزاف لا تنتهي واحتراب داخلي لا يبقي ولايذر.. الغائب الأكبر هو صوت العقل والحكمة الذي يمر عبر إعادة قراءة التاريخ بعيون موضوعية ونقدية تستطيع التمييز بين الثابت والمتغير.. من المؤكد أن وحدة المذهب بالنسبة لأي دولة يعتبر عاملا إيجابيا ومساعدا من الناحية السياسية على الحفاظ على لحمة الجماعة، لكن من المؤكد أن الإسلام كدين هو سابق على تشكل الفرق والمذاهب والجماعات، ولذلك حينما يسألني أحدهم: هل أنت شيعي أم سني فإني أفضل أن أجيب بأني مسلم وكفى..