بعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع البرنامج الحكومي في أول لقاء له في عهد الحكومة الجديدة، وطبقا لأحكام الفصل 60 من الدستور تقدم السيد ادريس جطو ليلة أول أمس (الخميس) بين يدي مجلس النواب بعرض البرنامج الحكومي الذي يعتزم وفريقه تطبيقه. البرنامج الذي ذكر في البداية بثوابت البلاد ومرجعياتها الأساسية (التشبث بالدين الإسلامي، الملكية الدستورية، استكمال الوحدة الترابية، تدعيم دولة الحق والقانون) ركز على الجانب الاقتصادي والاجتماعي بشكل كبير، كما جاء متمفصلا بالأساس على الأولويات التي ركز عليها جلالة الملك في خطابه أمام الجلسة الافتتاحية للدورة الأولى من الولاية التشريعية الحالية والمتمثلة في التشغيل المنتج والتنمية الاقتصادية والتعليم النافع والسكن اللائق. فعلى المستوى الاقتصادي، وعد التصريح الحكومي بتأهيل وتطوير النسيج الاقتصادي الوطني من خلال عدة إجراءات نذكرها مختصرة على الشكل التالي: أ تقوية وتحديث الشبكات الكبرى للبنيات التحتية والفوقية من قبيل إنجاز ميناء طنجة المتوسطي والمركب الصناعي والتجاري المرتبط به، وإنجاز 400 كلم من الطرق السيارة ما بين سنة 2003 و2007 ب دعم المقاولة المغربية وتهييئها لمواجهة شروط المنافسة، وتحديث أنظمة وآليات الإنتاج، وذلك بإحداث صندوق لتأهيل المقاولة وتفعيل صناديق الضمان المالية بما يفوق مليار و200 مليون درهم، وتحريك رؤوس الأموال المخاطرة التي يقدر مجموع أرصدتها بحوالي 900 مليون درهم على أساس أن تحظى المقاولات الصغرى والمتوسطة بعناية خاصة. ج تحسين ظروف الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال وتشجيع الصادرات من خلال تفعيل المراكز الجهوية للاستثمارات وتوحيد إطار عمل كل الهيئات المكلفة بإنعاش الاستثمار. د إعادة النظر في النظام الجبائي والدفع نحو مساهمة الجميع حسب دخلهم وبشكل متوازن في تحمل العبء الضريبي. وفيما يخص الجانب الاجتماعي، فقد تطرق التصريح الحكومي لثلاثة مستويات أساسية: التشغيل، التعليم، السكن. 1 التشغيل: اعتبر التصريح أن الاستثمار هو المنبع الرئيسي للتشغيل المنتج، ولتحقيق هذه الغاية طرح عدة وسائل منها: إصلاح أنظمة التربية والتأهيل والتكوين وخاصة التكوين المهني في أفق استفادة 400 ألف شاب وشابة خلال الفترة الخماسية المقبلة. تطوير برنامج "التكوين للاندماج" لفائدة عدد يتراوح سنويا ما بين 20 و25 ألف من حاملي الشهادات. خلق تفاهم بين الحكومة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين بهدف خلق سلم اجتماعي وبالتالي توفير المناخ الضروري لاستقبال رؤوس الأموال. التسريع بإخراج مدونة الشغل والقانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب إلى حيز التنفيذ. 2 التعليم: أشار التصريح إلى تفعيل مقتضيات الإصلاح التربوي المنبثقة عن ميثاق التربية والتكوين والهادفة إلى ما يلي: تعميم التعليم الابتدائي وتوسيع دائرة التعليم الثانوي التأهيلي، وتحقيق هدف وصول 060% إلى مستوى الباكلوريا في أفق 2010. مواصلة تنفيذ برنامج التربية غير النظامية بالنسبة للأطفال غير الممدرسين المنقطعين عن الدراسة. تكثيف برنامج محو الأمية للكبار. 3 السكن: لتحسين ظروف عيش المواطنين وخاصة القاطنين منهم في هوامش المدن والقرى، طرح التصريح الحكومي كهدف إنتاج 100 ألف وحدة سكنية اجتماعية على المدى المتوسط في شكل بقع مجهزة للبناء الفردي ومساكن جاهزة أو نصف جاهزة، أو عن طريق إعادة هيكلة الأحياء غير المنظمة، وتحقيق كهربة لكافة المناطق القروية في أفق 2007 بدل 2010 المقررة سابقا، مع التسريع بوتيرة توفير الماء الصالح للشرب لمجموع الساكنة القروية زيادة على الرفع من نسبة الطرق بها. ولتفادي البطء الإداري، طرح التصريح الحكومي في ميدان إصلاح الإدارة ضرورة إعادة توزيع مسؤوليات القطاعات الجهوية باعتماد مبدأ تفويض السلطات إلى المصالح القريبة من المواطنين، وتخلي الإدارة عن بعض الأنشطة لفائدة الخواص، كما أعاد التذكير بضرورة تخليق الحياة العامة ومحاربة الرشوة من خلال تبسيط المساطر وحذف التعقيدات والتقليص من عدد الوثائق المطلوبة من المواطنين وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم. وقد عرج التصريح الحكومي على القطاع السمعي البصري، واعدا بتنفيذ وتفعيل الإصلاحات الأخيرة المتعلقة به قائلا لا سبيل للنهوض وتطور صحافة جيدة دون ممارسة حرية التعبير، مشيرا إلى أن مناعة ومصداقية الإعلام رهينة بمدى ممارسة حرية الصحافة في نطاق الالتزام والمسؤولية والاحترام التام للمؤسسات والمقدسات. وذكر التصريح الحكومي بضرورة الاهتمام بجل مصالح ومطالب المغاربة القاطنين في الخارج وتقوية ارتباطهم بمكونات الشخصية المغربية. التصريح الحكومي حسب ردود فعل أولية لبعض النواب جاء جريئا في طرح بعض الأهداف المرتبطة ببعض الاستحقاقات الزمنية كما اختصر زمن إنجاز بعضها، كما أن علاقته بالمخطط الخماسي كانت باهتة فضلا عن أنه لم يشر من قريب أو من بعيد للموارد المالية التي سيتم بواسطتها إنجاز تلك الأهداف المسطرة. كما تفاوتت لحظات القوة والضعف في التصريح بحسب القطاعات، كما بدا وكأن التصريح قد حاول أن يوفق بين برامج سياسية متعددة وهذا شيء مفهوم نظرا لتشكيلة الحكومة ونظرا لشخصية السيد ادريس جطو وهو ما أفقد التصريح حسب البعض لونا سياسيا واضحا. أما الملاحظة الكبرى فتتمثل في تغييب الحديث عن قطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية وهو نفس التغييب الذي وقع في التصريح الحكومي للسيد اليوسفي مما يطرح عدة تساؤلات في الموضوع وهل الأمر يتعلق باستبعاد مقصود أم أنه مجرد سهو أو تعذر صياغة توجهات الوزارة الجديدة لحد الساعة. ويذكر أنه وفقا للفصل 75 من الدستور، فإن الوزير الأول بعد تقديمه لبرنامجه تنتظر حكومته تصويت مجلس النواب ومنحه الثقة، ويفتح الباب للمناقشة ولا يصوت المجلس حسب المادة 362 من نظامه الداخلي إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة من اليوم الذي طرحت فيه الثقة، وكان الوزير الأول قد سارع قبيل تقديمه للتصريح المذكور إلى عقد سلسلة لقاءات مع أحزاب الأغلبية لتهدئة أعصاب نوابها الغاضبين وكذا مع أحزاب كانت من الأغلبية السابقة (الاتحاد الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي) لضمان التصويت على برنامجه بالأغلبية وتفادي أي مفاجأة أبوبكر