تسعى الصين منذ سنوات إلى توسيع سياستها الخارجية والبحث عن أسواق استهلاكية جديدة للنهوض بقطاعها الاقتصادي المتنامي خارج منطقة وجودها التقليدي بتجاه قارة أفريقيا، وذلك في إطار منافسة متعددة الأطراف خاصة الأمريكية واليابانية الأوروبية، وبروز قوى صاعدة كالبرازيل والهند وغيرها. كما أنهاتعمل على تقوية نفوذها على المستوى الخارجي باعتبارها واحدة من الدول العظمى، ونظرا للصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأقصى، فهي تعمل على تعميق انخراطها داخل مجموعة من التحالفات، الشيء الذي يفرض دعم ومساندة حلفائها وفي مقدمتهم كوريا الشمالية. لكن الصين بدأت تتراجع عن موقفها اتجاه كوريا الشمالية بسبب نهجها "سياسة الهاوية" التي من شأنها تدمير المنطقة والعالم. حول هذا المنهج تتبلور ملامح السياسة الاقتصادية للرئيس الصيني الجديد "تشي جين بينج" في أول مهمة رسمية له بأفريقيا، ويسعى إلى استكمال مسيرة النهضة الاقتصادية لثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، فاختيار أفريقيا لتكون محطةًلأول جولة خارجية للرئيس الصيني الجديد له دوافع اقتصادية بالدرجة الأولى، فأفريقيا غنية بثرواتها الطبيعية المتنوعة ومعادنها المتعددة، وتتمتع بمستقبل اقتصادي مشرق، الشيء الذي يغري التقدم الاقتصادي الهائل والمتصاعد في الصين. وبالرجوع إلى التاريخ، يلاحظ أن الصين اهتمت بأفريقيا منذ أسرة "المينغ" (Ming)، وبالتحديد في عهد الإمبراطور "يانغ لو" الذي كلف الأدميرال "شينغ هو" ببناء أسطول ضخم تكون مهمته بسط نفوذ الإمبراطورية الصينية إلى ما وراء المحيط الهندي، وبالفعل تحركت300 سفينة من موانئ الصين الشرقية والجنوبية متجهة غربا وعلى متنها 27 ألف بحار، والاستعداد لزيارة سواحل أفريقيا الشرقية. لكن الأسطول الصيني آنذاك توقف عند هذا الحد وبدأ رحلة العودة إلى الصين في عام 1407،ليستعد للقيام بست رحلات أخرى على امتداد 24 عاما، مكتشفا في كل رحلة أقاليم جديدة في شرق أفريقيا والبحر الأحمر، لم يرتدها أحد باستثناء العرب. ففي الرحلة الرابعة بعث الأدميرال بوفد من قباطين الأسطول لزيارة "مكة ومصر"،عاد وبصحبته مندوبون من ثلاثين كيانا سياسيا إسلاميا وعربيا وأفريقيا، ذهبوا إلى "نانكين" عاصمة الصين ليقدموا احتراماتهم لإمبراطور الصين. مرت ستة قرون، قبل أن نرى الصين تعود إلى أفريقيا، وتحتل موقع الصدارة في قائمة الدول الأجنبية التي تربطها علاقات تجارية مع الدول الأفريقية، وهنالك بعض الأصوات الأفريقية والدولية التي تستنكر نمط السلوك الصيني في أفريقيا، واصفة إياه بأنه نوع من الممارسة التي عانت منها أفريقيا طويلا على أيدي الاستعمار الغربي. وأخذت العلاقة الصينية الأفريقية تحوز اهتمام الإعلام الدولي ودبلوماسيات الدول الكبرى، عندما دعت بكين منذ عامين إلى مؤتمر الصين لدول أفريقيا، الذي شارك فيه عدد كبير من زعماء دول أفريقيا، مررت الصين من خلاله رؤيتها إذ أعلنت أن أفريقيا ستحصل على استثمارات وقروض وتسهيلات تجارية من دون شروط ومن دون أي تدخل من الجانب الصيني في شؤونها الداخلية. كان في بكين ما يبرر هذه الامتيازات الممنوحة لدول أفريقيا، إذ تضاعف حجم التجارة بين الصين ودول أفريقيا أربع مرات في ظرف ست سنوات، واستمر في النمو ليصل الآن إلى ما قيمته حوالي 200 مليار دولار. وأكد أحدث التقارير الاقتصادية أن الاقتصاد الصيني سيحل محل نظيره الأمريكي كأكبر اقتصاد في العالم، وذلك بحلول عام 2016، لذلك فإنه يتعين على الرئيس الصيني الجديد إيجاد موارد اقتصادية قادرة على مواكبة النمو الاقتصادي الصيني. وفي الحالة الصينية الأفريقية، تتمتع الصين بمزايا نسبية في مجال التقنيات ورأس المال والخبرات التقنية، وتتمتع أفريقيا بتفوق في الموارد الطبيعية وإمكانات التنمية وتطوير الأسواق، ولا تنظر الصين إلى أفريقيا من منطلق المصلحة الاقتصادية فحسب، وإنما من منظور شامل في إطار إستراتيجي أوسع يشمل مجالات التعاون السياسي دوليا، وتأمين إمدادات الطاقة ومكافحة الإرهاب والأعمال الهدامة، والتعاون مع قوى دولية أخرى في مكافحة القرصنة في البحر الأحمر والمحيط الهندي. إجمالا تعتبر أفريقيا، لأسباب عديدة، مجالا حيويا للصين أكثر لينا وأقل مشاكل من مناطق أخرى تكون أقرب جغرافيا.