هل تظن الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها الآمر الناهي في هذه الدنيا، وأن الإنس والجن والحيوان والجماد كلهم تحت أقدامها، من الأسفلين؟ كل الحركات والسكنات الأمريكية، وكل أقوالها وأفعالها تؤكد أن الغطرسة الأمريكية والعلو الأمريكي أول أركان الإيمان لدى القادة الأمريكيين المغامرين الباحثين دوما عن مصادر لمزيد من الطاقة والقوة، وأنهم لا يفرقون من أجل هذا الهدف بين أفغان وعراق وسودان، ولا بين عرب وعجم، ولا بين مسلمين وغير مسلمين. فأينما كانت الطاقة والبترول فثم مصلحة أمريكا، ومهما كانت العراقيل والحجب فلن تحول بينها وبين الحلم الأمريكي. لقد كذب القادة الأمريكيون على أنفسهم وعلى شعبهم عندما اعتقدوا أنهم أصحاب القرار النهائي بعد أن انتهى العالم من مرحلة القطبين، والكذب على النفس وعلى الناس آفة ابتلي بها القادة المستكبرون المتغطرسون لما غرتهم قوتهم وسلطانهم وانبطاح المستضعفين من الحكام التابعين والدائرين في فلكهم الصغير. فذلك هو جنون العظمة والكبرياء والخيلاء. ألم يقل فرعون من قبل للملأ من حوله (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). ولما جاءه نبي الله موسى عليه السلام وقال (هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى، فأراه الآية الكبرى، فكذب وعصى، ثم أدبر يسعى، فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى). وإن كانت القيادات الأمريكية المتنفذة في شك من هذا، وقالت إن هذا إلا أساطير الأولين، فلتنظر إلى إمبراطوريات قريبة العهد منها ومنا، فأين الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها الشمس؟ وأين الإمبراطورية الإسبانية والفرنسية والبرتغالية والسوفياتية؟ وأين الزعيم الألماني هتلر الذي يشبهونه برئيس الشعب العراقي صدام حسين ؟ وأين غيره من الأباطرة والقياصرة والأكاسرة الذين تعرفهم جيدا؟ لقد انتهى جميع هؤلاء وقطع دابرهم. ولئن لم تنته الولاياتالمتحدة عن غيها وظلمها ليكونن مصيرها مثل هؤلاء الغابرين. بعد الصومال وليبيا والسودان وأفغانستان وبلدان أعجمية وعربية أخرى، تستعد الآلة الحربية الأمريكية العمياء لتوجيه ضربة عسكرية للعراق للمرة الثانية، رغم الحصار الطويل، وملايين الشهداء وملايين الجوعى والمرضى والمعطوبين. ومع الأسف يجري ذلك وسط صمت رسمي من إخوة العروبة والإسلام. غير أن الشعوب لا تقهر أبدا، ولا تصمت أبدا، قد تستكين قليلا، وتنحني قليلا، لكنها سرعانما تقوم وتنهض وتنتفض، ومن أصلابها تنبعث الحرية والشهادة، ولئن أغلقت في وجوهها الأبواب فإنها تفتح أبوابا أخرى للتعبير عن حياتها وعزتها وكرامتها ووقوفها إلى جانب المظلومين. وذلك ما فعله الشعب المغربي دوما مع الأفغانيين يوم ظلمهم الروس والأمريكان، ومع الفلسطينيين على الدوام ضد الصهيونية التي ترعاها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك ما فعله مع الشعب العراقي يوم ظلمته الغطرسة الأمريكية منذ أكثر من عقد من الزمن، وما يزال يفعل ذلك طالما بقيت الولاياتالمتحدة على ظلمها وعدوانها، وقد عبر عن جزء من ذلك في مسرح محمد الخامس يوم الأحد الأخير، وهو يقول: يكفينا يكفينا من الحروب.. أمريكا.. أمريكا عدوة الشعوب