أخيرا أدركت الولاياتالمتحدة أن صورتها سيئة وقبيحة في العالم كله، وخاصة في العالم الإسلامي. فالعالم كله يكن لواشنطن شعورا متزايدا بالكراهية والبغض، وتتزعم فرنسا في دول الاتحاد الأوروبي، هذا الشعور، وتصدر في أدبياتها المكتوبة والمشاهدة أعمال فكرية وفنية تظهر ذلك، وفي شوارعها ومنتدياتها يتردد صدى ذلك الشعور الذي تكنه الصدور في الوقت الذي يسعى رئيس سابق لفرنسا وهو فاليري جيسكار ديستان، إلى صياغة دستور موحد للاتحاد الأوروبي تميهدا للاندماج السياسي المرتقب. وفي العالم الإسلامي أجمعت شعوبه وقبائله وهيئاته الأهلية على بغض الولاياتالمتحدة وكرهها، وذلك لسجلها الحافل بالانتهاكات الفردية والجماعية، وبسفك الدماء والانقلابات والاختطافات والاغتيالات ومصادرة الثروات، ويتوج ذلك كله انخراطها اليومي في المجزرة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني منذ أكثر من نصف قرن، بعد أن انتقلت الرعاية من التاج البريطاني إلى عرش الإمبراطورية الأمريكية. أما الرؤساء والأمراء فلا يملكون سبيلا واضحا للتعبير عن تذمرهم من الولاياتالمتحدة بعدما تحكمت في مصيرهم. أدركت الولاياتالمتحدة، ومعها بريطانيا، الصورة السيئة التي يحملها المسلمون والعرب في قلوبهم وأذهانهم عن الجبروت الأمريكي والظلم الأمريكي. ولذلك قامت تنظم حملة إعلامية ودبلوماسية لتحسين الصورة وتزيينها وتعديلها قبيل شهر رمضان المبارك. والحملة المذكورة هي مجموعة من اللقطات الإشهارية المتنوعة أطلق عليها جميعها اسم "الأرضية المشتركة"، وخصص لها غلاف مالي قدره 15مليون دولار. وفي سياق ذلك يعقد سفراؤها في بلدان العالم الإسلامي لقاءات وجلسات مع المنظمات والهيئات والصحافة، وتأتي الوفود من الولاياتالمتحدة للقيام بنفس المهمة، وذلك ما فعلته السفيرة الأمريكية بالرباط عندما عقدت لقاءات متتابعة مع البرلمانيات الجديدات، ومع الصحافيين الذين زاروا بلادها في الصيف الماضي، ومع آخرين، وذلك ما فعلته عندما استدعت عددا من الشخصيات المختارة من الولاياتالمتحدة ومن المغرب للجلوس معا في طاولة واحدة ومجلس واحد. وذلك أيضا ما فعلته السفارة البريطانية عندما رتبت لقاءات مع الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد جيرالد راسل. نقول للولايات المتحدة وللمملكة المتحدة ، إن تحسين الصورة لن يتم ولن يؤتي أكله بهذه الطريقة، بل سيكون ناجعا فعالا عندما تدرك الدولتان أن السبب الحقيقي في الصورة القبيحة هوإعلاء القوة فوق الحق، وتسخيرها لقهر الآخرين وسلبهم حقوقهم والاعتداء المستمر عليهم. الولاياتالمتحدة دولة قوية وظالمة، ولتحسين صورتها عليها أن تكون دولة قوية وعادلة، الحق فيها أعلى كلمة من القوة، والقوة في خدمة الحق والإنصاف، ويومئذ تفرح الشعوب والأمم بهذه الدولة العادلة وتقدم لها التقدير والاحترام، ويتعاون الناس معها، ويحققون لها مكانتها ومصالحها عن رضى ورغبة. أما الحملة الحالية، وأمريكا تحشد الحشود والجنود لغزو العراق مرة أخرى وتحرك جيوشها وبطشها في كل اتجاه، فهي مجرد خيوط لبيت العنكبوت، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعقلون.