يصعب وصف الألم الذي يعايشه طلبة المدارس الفلسطينية بشكل يومي على أيدي عشرات المستوطنين العنصريين في فلسطين بشكل عام، وفي البلدة القديمة من مدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية). فمن الضرب إلى تمزيق الكتب إلى تكسير زجاج الصفوف الدراسة إلى اعتراض الطلبة المتجهون إلى مدارسهم..وغيرها من أشكال المعاناة. وقد يكون في الحديث عن طفلتين من مدرسة قرطبة الأساسية للبنات شيء من لمس الواقع أو الإشارة إليه. فبعبارة "أفكر هل سأضرب اليوم أم لا" بدأت الطالبة "رجاء أبو عيشه" حديثها عن معاناتها اليومية أثناء توجهها من وإلى مدرستها في البلدة القديمة من المدينة التي يستولي المستوطنون فيها على أربعة مواقع فلسطينية، يمارسون من خلالها شتى أنواع الإهانة والعنصرية ضد السكان العرب. وتقول رجاء ذات الخمسة عشر ربيعا: لا يفصل بين مدرستنا والبؤرة الاستيطانية المسماة "بيت هداسا" إلا الشارع الذي يجوبه المستوطنون واسمه الأصلي (شارع الإخوان المسلمين)، ومن هذه البؤرة الاستيطانية والبؤر الأخرى يخرج المستوطنون وأولادهم ليضربونا بالحجارة أو الزجاج أو يشتمونا لا لشيء سوى أننا فلسطينيون. وتضيف: أتعرض كل يوم للضرب من قبل هؤلاء الحاقدين وأبناؤهم وبناتهم وتمزق ملابسي وكتبي وتسرق حقيبتي لمنعي أنا وباقي الطالبات من سلوك الشارع والوصول إلى المدرسة، وكل يوم أعود إلى البيت متعبة ومنهكة من العراك مع المستوطنين والمستوطنات. وتتابع: جيش الاحتلال يساعد المستوطنين في منعنا من الوصول إلى المدرسة أيام حظر التجول، ونحن نصر على ذلك، إنه حقنا الطبيعي والشرعي، لا نطلب منهم أن يتفضلوا علينا بشيء، نريد الحرية والوصول إلى المقاعد الدراسية دون عوائق..إنهم يسلبون حريتنا ويمنعونا من نيل المعرفة. سأتحداهم وفيما يبدو أنه نوع من الإصرار تقول رجاء: رغم ذلك لن أترك المدرسة ولن أغير طريقي وسأتحداهم وأحضر كل يوم، حتى إذا منعونا من الحركة والتجول. وتؤكد رجاء أن الجيش يحضر في كل مشكلة ليقف إلى جانب المستوطنين، ويقوم بإجبارنا على العودة إلى المنزل وترك المدرسة. وتشير إلى أن سكنها قريب من المدرسة، وأن الجيش والشرطة الإسرائيلية يغضان الطرف عن اعتداءات المستوطنين. قصة "رجاء" هذه تتكرر مع آلاف الطلبة الفلسطينيين في البلدة القديمة من مدينة الخليل، إلا أن مدرسة قرطبة ومدرسة الفيحاء للبنات، ومدرستي الإبراهيمية والخليل الأساسية للبنين تعد الأكثر معاناة نتيجة قربها من البؤر الاستيطانية. أما "روعة" وهي طالبة في الصف الأول الابتدائي فقد أخافها ما شاهدته من عنف يقوم به المستوطنون مع بادية العام الدراسي الجديد، ورفضت دخول صفها، وأصرت على أن تكون إلى جانب شقيقتها "ميسون" في الصف التاسع، فقامت المرشدة بمتابعتها إلى أن عادت لوضعها الطبيعي واستوعبت الأمر. تهديدات لمديرة المدرسة من جانبها تؤكد المربية فريال أبو هيكل، مدير مدرسة قرطبة أن اعتداءات المستوطنين شملت الطالبات والمعلمات والمدرسة ذاتها. وقالت: وجهت لي تهديدات مباشرة من المستوطنين حيث قاموا بكتابة شعارات عنصرية على المدرسة، وهددوني شخصيا لإصراري على افتتاح المدرسة والحضور إليها، وكل ذلك يحدث على مرأى ومسمع الجنود والشرطة الإسرائيلية. وأضافت: يتكرر الهجوم كل يوم من قبل المستوطنين في البؤرة الاستيطانية المسماة (بيت هداسا- الدبويا) المقامة في منزل أحد المواطنين على طالبات المدرسة اللاتي تتراوح أعمارهن بين 6-15عاماً ويتوزعن على تسعة صفوف دراسية. وأشارت أبو هيكل إلى أن المستوطنين هاجموا على مرأى ومسمع الجنود في المرة الأخيرة يوم أمس الأول "السبت" الطالبات بشكل همجي ووحشي ورشقوهن بالحجارة والنفايات، مما أثار حالة من الرعب والهلع في صفوفهن. نصرة الجاني وأوضحت أن الجيش حاول إجبار الطالبات والمعلمات على سلوك طريق بديلة وعرة وجبلية لا تصلح لأن تسلكها النساء، مؤكدة أن الجنود أبلغوها بوجوب سلوك الطريق الوعرة وفق أوامر عسكرية. وأضافت أن السكان وحوالي 14 معلمة يتعرض لاعتداءات المستوطنين اليومية والتضييق بهدف إجبارهم على ترك المدرسة والرحيل بالقوة عن طريق الضرب والرشق بالحجارة والطعن بالسكاكين. وأضافت: نتصل في كل اعتداء بالارتباط المدني والشرطة كي توفر لنا الحماية للخروج من المدرسة أو الدخول إليها. وأكدت أنها والطالبات والمعلمات لن يسكتن على اعتداءات المستوطنين وسيبقين يأتين إلى المدرسة رغم إغلاق الطرقات وتكسير نوافذ المدرسة وكتابة شعارات التهديد عليها. أما عن تأثير هذه الاعتداءات على أداء الطالبات التعليمي فقالت: الطالبات اعتدن على هذا الوضع، ولا تزيدهن اعتداءات المستوطنين إلا إصرارا على الدراسة والوصول إلى المدرسة، وأكبر دليل على ذلك أنهن نظمن قبل أيام اعتصاما لتحدي المستوطنين والمطالبة بمنحهن الحرية للوصول إلى المدرسة. وبحمد الله فإن المستوى الأكاديمي لهم مرتفع، وهذا ما تشهد به المدارس التي يتوجهن إليها بعد انتهاء الصف التاسع. وعن تأثير ذلك على أولياء الأمور ونفسيات الطالبات أشارت إلى أن بعض الأمهات البعض يرافق بناتهم للمدرسة. أما عن توصيل احتياجات المدرسة فأكدت أنها تضطر للاتصال بقوات المراقبة الدولية في الخليل وغيرها. وأشارت أنها اضطرت مؤخرا للاتصال بفريق السلام المسيحي في الخليل لإدخال مواد تخص مقصف المدرسة. متابعات رسمية ومن جهته، أكد محمد عمران القواسمي، مدير التربية والتعليم في مدينة الخليل، أن مدارس البلدة القديمة من المدينة تتعرض بشكل يومي للأشكال مختلفة من المعاناة. وأضاف: يستهدف أبناء المستوطنين كل شيء عربي في تلك المنطقة، ويمنعون وصول الطالبات والمعلمات إلى المدارس. وعن الدور الذي تقوم به مديرية التربية للتخفيف من معاناة الطلاب قال القواسمي: ننظم زيارات ميدانية لتلك المدارس، وندعو لتنظيم الفعاليات فيها، كما نطالب المؤسسات والوفود الدولية بال المعنية بالتعليم وحقوق الإنسان، التدخل الفوري لوقف هذه الاعتداءات المتكررة على طلبة فلسطين، والتي تحرمهم من حقهم في التعليم. وأوضح القواسمي أن حوالي 15 ألف طالب وطالبة يحرمون من الانتظام في مدينة الخليل مقاعدهم الدراسية في 38 مدرسة في البلدة القديمة من الخليل. تخفيف وليس انسحاب العجيب أن معاناة الطلبة تستمر رغم ادعاء قوات الاحتلال نيتها الانسحاب من مدينة الخليل، وهو ما لم ينفذ على أرض الواقع، رغم إعلان حكومة الاحتلال نيتها تخفيف تواجدها في المدينة. وحتى لو انسحبت فإنه من الضرورة بقاء قوات الاحتلال في مناطق محددة لحماية البؤر الاستيطانية، كما يقول شارون، وذلك يعني بقاء قوات الاحتلال في أجزاء كبيرة من المناطق التي كانت خاضعة للسلطة الفلسطينية قبل الاجتياحات الأخيرة مثل منطقة باب الزاوية وشارع الشلالة المؤديين إلى البلدة القديمة، وأجزاء من أحياء: وادي الهرية وحارة أبو اسنينة وحارة الشيخ وعين سارة وهذه المناطق يقطنها عشرات آلاف السكان العرب، وبالتالي سيخضعون بحظر التجول شبه المستمر ولحملات التفتيش والمداهمة المستمرين. فلسطين - الخليل – عوض الرجوب