ما إن أصدرت «هيومن رايتس ووتش» تقريرها حول ممارسات الميليشيات الشيعية في بعض المناطق في العراق حتى هب القوم على نحو هستيري، يتصدرهم نواب كتلة نوري المالكي في البرلمان العراقي رجالا ونساءً، متهمين المنظمة بالتحيز، مع أنهم يرحبون بتقاريرها حين تكون لمصلحتهم، إن كان في العراق، أم كانت في مصالحة تحالفهم الطائفي في المحيط. بعد ذلك بأيام جاء إعلان الزعيم الشيعي المعروف مقتدى الصدر عن تجميد عمل بعض المجموعات المسلحة التابعة لتياره، وفي سياق من الاحتجاج على تغول الميليشيات، لاسيما بعد اغتيال زعيم عشيرة سني ومرافقيه، ما أكد أن تقرير «هيومن رايتس ووتش» لم يقل سوى جزء من الحقيقة. للتذكير، فهذه الميليشيات التي نحن بصددها جرى تجميعها ضمن عملية حشد طائفي رهيب، والشعارات التي ترفعها لا تدع مجالا للجدل، والحشد الطائفي الذي نحن بصدده لا ينحصر في تنظيم الدولة، بل يستعيد ثارات تاريخية مع عموم السنة كما يعرف الجميع. وحين يحدث ذلك، فسيكون من العبث أن يتوقع أحد أن تكون تلك الميليشيات على قدر من الانضباط في حال دخولها لمناطق تابعة ل «الأعداء»!!. وحين نتحدث عن ميليشيات تكونت في ظل حشد طائفي، فإننا نتحدث عن أيضا مجموعات تضم بين صفوفها أسوأ الزعران والبلطجية، وهؤلاء لن يتورعوا عن ممارسة أبشع الجرائم، وأسوأ عمليات التطهير العرقي التي لا يغير في حقيقتها الحديث اليومي عن «جرائم داعش». ومن يتابع الإعلام التابع للتحالف الإيراني فسيسمع عن تلك الجرائم المزعومة أشياء لم تخطر على بال الشياطين، وبالطبع من أجل تبرير ممارسات ميليشيات ما يسمى الحشد الشعبي وأمثالها في سوريا، وصولا إلى اليمن. والأسوأ أن جزءا من عمليات الحشد البائسة ما زالت تهاجم الأميركان أنفسهم، والذين صاغوا التحالف الدولي، ومن يتابع إعلام القوم سيرى كيف يزعمون كل يوم أن الطائرات الأميركية تلقي شحنات الأسلحة لتنظيم الدولة، ويصدر ذلك عن تنظيمات وأسماء كبيرة في إيرانوالعراق، بل إن نوابا كثرا زعموا أن لديهم وثائق تثبت ذلك، لكن الأكثر إثارة هو أن أي تعليق أميركي لم يصدر ضد هؤلاء رغم هرائهم اليومي، الأمر الذي يعبر عن قدر من الازدراء، وربما التفهم للهستيريا التي يعيشونها وتضطرهم للكذب إن كان لشحن المريدين، أم لتشويه العدو. الوجه الآخر للصورة هنا هو ذلك المتعلق بالسياسيين من العرب السنة، إن كانوا من الحزب الإسلامي، أم من جماعة صالح المطلك، أم أسامة النجيفي، مع بعض العشائر التي تتعاطى مع الحكومة، وهؤلاء جميعا شركاء عمليون في الجريمة، لأنهم بسلوكهم البائس يخيرون الناس بين تنظيم الدولة، وبين عدو لا يرحم. وحين كتب باتريك كوكبيرن في الإندبندنت عن الوضع في الموصل، وموقفه معروف مع بشار وضد الثورة، وبالضرورة مع التحالف الإيراني، حين كتب لم يجد سوى الإقرار بأن أهل الموصل يرون تنظيم الدولة أرحم بكثير من الحكومة الشيعية في بغداد وميليشياتها وأمنها. ثمة جانب ثالث بالغ الأهمية فيما يتعلق بالميليشيات إياها، وهو المتعلق باستنزافها لموازنة الدولة في ظل تراجع أسعار النفط، وحين تتراوح أرقام المنضوين فيها بين مليون ومليونين ونصف، فلك أن تتصور حجم النزيف الذي تشكله، ومعه حجم الفساد الذي تنطوي عليه العملية، وحيث يسجل البعض أسماءهم ويأخذون الرواتب دون أن يكونوا مشاركين في المعارك، لاسيما أن من العبث الاعتقاد بأن %10 من مجموع السكان (ما يقرب من ربع الشيعة!!) قد انضووا في سلك تلك الميليشيات. العراق يعيش مأساة حقيقية في ظل تحالف يرفض الاعتراف بأن طائفية المالكي هي من أعادت لتنظيم الدولة بريقه، وهي التي تمنحه الحاضنة، وأنه من دون عدالة للعرب السنة، فلن يتغير المشهد، وهي عدالة لا بد أن يلمسوها بأيدهم، لا بأيدي مجموعات من صغار السياسيين الذي باعوا أنفسهم للمالكي من أجل مصالحهم الشخصية والعائلية، وهم يكررون ذلك الآن مع خليفته العبادي.